وخلاصة الخلاصة في تحرير هذه القضية أنه يمكن للرجل أن يكون عربي اللسان والذوق والعصبية، ولو كان من أعداء الدين، لأن العروبة لغة وليست بجنس ولا دين، وإن كان من المفهوم أن القرآن هو سفير اللغة العربية إلى مختلف الشعوب. ومن واجب العربي غير المسلم أن يفرح لسيرورة القرآن في المشرقين، لأن سيرورته من أقوى الحجج في نصرة القضية العربية.
والقائلون بأن اللغة العربية لغة المسلمين لا يخدمون الإسلام بهذا القول، وإنما يبعدون عنه أنصاراً أمدته بهم جاذبية اللغة العربية. والشواهد تنطق بأن النصارى من العرب والمستعربين أدوا للإسلام خدمات يعرف أقدارها عقلاء الرجال
في الدنيا معنى يسمى الديبلوماسية السياسية، فلم لا يكون عندنا ديبلوماسية إسلامية كالذي كان عند أسلافنا الأمجاد، يوم كانت عقولهم تدعوهم إلى تألف من يخالفونهم في الدين؟
أما العقبة الثالثة في الطريق إلى الوحدة العربية فهي اجترار حوادث التاريخ، ولتوضيح هذه النقطة أقول:
كان أبناء العرب قد اختلفوا في أشياء مذهبية وسياسية وجنسية، وهو اختلاف مشؤوم عاد عليهم بالوبال، وكانت له عواقب في الأقطار المصرية والمغربية والسورية والعراقية، ونال من قوة العروبة أضعاف ما نالت فوادح الخطوب؛ فمن واجبنا أن نبالغ في تناسي ذلك الاختلاف إلى أن ننساه، فإن لم نستطع فلننظر إليه بعين العقل، ولنفهم أنه اختلاف قضت به ظروف لا يصح أن نحمل جرائرها بحال من الأحوال
كان بين الأقباط والمسلمين في مصر نزاع وقد محته الأخوة الوطنية، فما الموجب لإحياء ذلك النزاع؟ وكان بين السنة والشيعة في العراق شقاق، وقد محته الأخوة القومية، فكيف يستبيح عاقل إحياء ذلك الشقاق؟ وكان في البلاد السورية خلاف أثارته النزعات المذهبية، وقد خمد ذلك الخلاف بفضل الأخوة العربية، فكيف يصح لإخواننا هناك أن يوقظوا ذلك الخلاف؟ وكان في الأقطار المغربية قتال أرّثت ناره العصبيات الجنسية، ثم أخمدته الأخوة الإسلامية، فكيف يجوز بعث أسباب ذلك القتال؟
إن من الجرائم المنكرة أن نرى نعيق المفسدين يتصايح من وقت إلى وقت بدون أن نقضي عليه بحزم الرجال!