يظهر أن الأمر لم يعد كذلك، ويظهر أن لا مفر من وصف هاتين الساعتين بالمشئومتين، ففيهما يعرف التلميذ أشياء لا تخطر للمدرسة في بال.
وإذن يجب منع التلاميذ من الخروج وقت الظهر، ويجب أن يتغدوا في المدرسة، لا في السوق ولا في البيت، وفي مثل هذه الحال تعدَّ لهم المدرسة غداءً قليل التكاليف، لتبقى السهولة في المصروفات. وأهون طعام تعدُّه المدرسة سيكون أنفع للتلاميذ من طعام السوق، وأصون لهم من الجري في الطرقات.
فإن لم تستطع هذه المدارس أن تغدُّي تلاميذها وأن تصونهم من قضاء ساعتين بلا رقابة مدرسية ولا بيتية، فيجب حتماً أن تسير على النظام الذي اختارته بعض المدارس الأجنبية، وهو قضاء اليوم الدراسي في وقتٍ موصول، بحيث ينتهي في منتصف الساعة الثانية، ثم يخرج التلاميذ إلى بيوتهم ليقضوا بقية النهار تحت رعاية الآباء.
وأرجو أن يسمع بعض خلق الله هذا الكلام، وما أحب أن أزيد.
بين النظار والمدرسين
توجد أزمة مكبوتة بين النظار والمدرسين، ومَرَدُّ هذه الأزمة إلى الوهم الذي يقول بأن الناظر هو صاحب الأمر كله في الدار المدرسية، بحيث لا يتصرف المدرسون أقل تصرُّف إلا بعد الاستئذان.
وهذه الحال تُشعر المدرس بأن الصلة بينه وبين الناظر صلة رسمية لا تعليمية، والفرق بين الصلتين بعيد، فالصلة الرسمية لا تصل بالمدرس إلى حب الدار المدرسية، أما الصلة التعليمية فتصل به إلى الشعور بأنه في داره وبين عشيرته الأقربين.
ويؤلمني أن أصرِّح بأن المدرسين لا يحبون مدارسهم إلا في أندر الأحيان، فما سمعنا أن مدرساً في قنا رفض النقل إلى القاهرة بحجة أنه يشعر بأن بينه وبين مدرسته صلة روحية، وإنما سمعنا أن المدرس يطلب النقل من مدرسة إلى مدرسة لأسباب بعيدة كل البعد عن المعاني التعليمية.
فهل يكون للصلات بين النظار والمدرسين أثرٌ في خلق هذا العقوق؟
أنا أتمنى أن يوجد عندنا المدرس الذي يرى في أحجار مدرسته شمائل قدسية، فلا يرضى بفراقها ولو كانت في الواحات.