المثقفين، فيصيبنا دهش مشوب بفرح وبهجة وشكر لله على تسديده الإنسان إلى غاية ابتدأت تنكشف وجوهها.
وكان الأنبياء والحكماء القدماء وحدهم هم المدركين وجهات الحياة. وكانوا في الناس وما يكون البصير بين عميان، والأب الكبير بين صبيان، والراعي بين قطعان. وكان قليل من الناس هم الذين يدركون ما يشيرون إليه. ولكن الآن صار العلم والدين والإدراك الصحيح شيئاً مشاعاً كالهواء والماء، تقاربت فيه المعتقدات والآراء.
أجل، هذا زمن حصاد جهود الإنسانية؛ فقد أزهرت الأزهار وأدركت الثمار، وظهر الحقل مستوى السوق مستغلظ الأعوام، قد أينعت فيه عُلب الأسرار وحان قطافها!!
انظر في بقاع الأرض جميعها تجد إنسانية تفتح عيونها وتستيقظ من غفلاتها لتدرك الحياة الحديثة وتشترك فيها وتتلاقى مع غيرها في خدمتها. وقد زال الانبهام والغموض اللذان كانت تحسمها عقول الإنسانية والمتوسطة في ظواهر الحياة. وصار الإنسان معتمداً على نفسه وحسابها الدقيق وأخذها بأساليب الطبيعة في الإنتاج والاختراع، وترك الاعتماد على الأماني، فضاقت دائرة الاعتماد على الأقدار. . .
ولنتلفت إلى الماضي كثيراً لندرك مدى ما كسبناه وحصلناه من محصولات الحياة كإنسانية واحدة وضع كل شعب وكل حضارة لبنة في بنائها، حتى خرجت هذه الحضارة العالمية المشتركة التي أقحمت كل قطر وكل مدينة في الأرض، وصارت كقدر الله الذي لا مرد له ولا مفر منه.
إنها حضارة باقية خالدة لن تبيد ولن تفنى ولن ترتد! إذ أن بذورها ألقيت في كل مكان ونبتت فيه. فلئن ذهبت أوربا إلى الخراب والدمار لسوف تبقى أمريكا. . . ولئن ذهبتا معاً لسوف يحمل المشعل أمم الشرق وتلك الأمم المنثورة في أرض الله وجزر المحيطات وغيرهم ممن اقتنعوا بأن هذه المدنية هي نبوة الطبيعة ذات المعجزات الدائمة التي لا مفر من الإيمان بها والعمل لها وأن هذا العصر هو أوان حصاد الغلال وجني القطاف التي زرعها وتعهدها الأقدمون، وزادت كل أمة في ميراثها حتى صار فيها من كل قطر وردٌ ومن كل أمة مدد ورفدٌ.
إن هذه مدنية فرضت نفسها فرضاً على الناس جميعاً. فرضت آلامها وشرورها كما