يعرفون خريطة الحياة الأخروية ويجهلون خريطة الحياة الدنيوية؟
إن كتاب (الأخلاق عند الغزالي) لم يكن إلا دعوة صريحة إلى التشكيك في أصول الأخلاق الموروثة عن القدماء، والمؤلف يقسم الفضائل إلى قسمين: فضائل سلبية وفضائل إيجابية، ثم يقرر أن الغزالي وجه اكثر اهتمامه إلى الفضائل السلبية (ولم يعن بشرح الفضائل الإيجابية كالشجاعة والإقدام والحرص وما إلى ذلك مما يحمل المرء على حفظ ما يملك، والسعي لنيل ما لا يجد، فإنه لا يكفي أن يسلم الرجل من الآفات النفسية، بل يجب أن يزود بكل مقومات الحياة. وخير للمرء أن يوصم برذائل القوة من أن يتحلى بفضائل الضعف، فإن الضعف شر كله، ولكن اكثر الناس لا يفقهون)
وقد عاب المؤلف على رجال الدين أن ينسحبوا من الميدان السياسي في الأوقات التي يفرض فيها الجهاد، فطوق الغزالي بطوق من حديد حين سجل عليه أنه لم يؤدي واجبه في التحريض على مقاومة الحملات الصليبية، مع أنه (حجة السلام) ومع أن صوته كان مسموعاً في اكثر الأقطار الإسلامية.
واثبت المؤلف في لواحق الكتاب مقالا نشره في المقطم بتاريخ ٤ يونية سنة ١٩٣٤ أيد فيه القول بأن الدين الإسلامي دين فتح وامتلاك، وهو مقال كتبه في الرد على من ناوشوه من العلماء وفيه يقول:
(الظاهر أن حضرات العلماء فهموا من الفتح التخريب والاعتداء على الشعوب. كلا، يا هؤلاء! الدين الإسلامي دين فتح، رضيتم أم كرهتم، وللفتح آداب وشروط سنها الدين الحنيف، وأنتم حين تنفرون من كلمة (الفتح) إنما تجارون الأجانب الذين يتوددون إليكم بوصف الإسلام بالقناعة والرضا بالقليل، وهذا خطأ سراح، فالدين الإسلامي ابعد الأديان عن الزهادة وأبغضها للخمول، ولا حرج على الإسلام في أن يرغب أتباعه في امتلاك ناصية العالم، فإن هذا أمل نبيل، ولم يحدثنا التاريخ عن أمة قوية أو ملة قوية وضعت حدا لمطامعها في الحياة، وإنما ترغب الأمم الضعيفة أو الملل الضعيفة على أن تحدد آمالها وأطماعها بضيق الحدود)
وهذه الفقرة توضح بعض اتجاهات المؤلف في تفسير الأغراض الصحيحة للدين الإسلامي.