وأنكر المؤلف على الغزالي أن يتعلق بأهداب الآداب السلبية التي دعا إليها الإنجيل، وفي ذلك يقول:
(أن الآداب التي وضعها الإنجيل غير طبيعية، على معنى أنه لا يمكن أن يسكن إليها بطبيعته أحد من الناس، فالحكمة الإنجيلية التي تقول: (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر) حكمة غير معقولة لا يقرها لها عرف ولا يدعو إليها قانون. . . والحكمة المسيحية التي تقول:(من سخرك ميلا فامش معه ميلين) حكمة غير ممكنة القبول، ومن المستحيل أن تجد مسيحيا يدير لك خدك الأيسر حين تضربه على خده الأيمن، أما المسيحي الذي يتبعك ميلين حين تسخره ميلاً فهو نادر الوجود)
ثم يقول المؤلف بعد كلام مفصل في نقد الأخلاق المسيحية:(أليس من الغريب أن يصدق الغزالي أن عيسى يقول: (من أخذ رداءك فأعطه إزارك) ومن الذي يرضى من المسلمين أو النصارى أن يتأدب بهذا الأدب الغريب؟)
وينفي المؤلف عن نفسه تهمة التحامل على المسيح فيقول:(ونحن بهذه الكلمات لا ننكر نبوة عيسى عليه السلام، وإنما نرجح أن أتباعه جنوا على شريعته بما زوروا باسمه من الأحاديث، وهذه جناية كثيرة الأمثال في تواريخ الشرائع، فإن الإسلام مع تواتر سنده الأول وهو القرآن لم يعدم من أصحاب الغفلة وأصحاب الأغراض من زوروا الأحاديث باسم النبي حتى كادوا يقضون على ما للإسلام من قوة الحق وروعة الجمال. . . ونحن كذلك لا ننكر أن المسيحية تدعو إلى الزهد، ولكنا نرجح أنها كانت تدعو إلى الزهد بقدر ما تفل من حدة الناس وتقلل من جشعهم وطمعهم، أما الدعوة إلى الفرار من طيبات ما أحل الله فهي دعوة بعيدة الوقوع من الأنبياء والمرسلين)
هذا الروح السائد في كتاب (الأخلاق عند الغزالي) الذي يعطفني عليه، ويصرفني عن التعرض له بالحذف والإيصال، مع أني رجعت عن بعض الآراء المدونة فيه حين ألفت كتاب (التصوف الإسلامي) وبين الكتابين أعوام تنقل فيها عقلي من أفق إلى آفاق.
والمهم هو أن ينظر طلبة السنة التوجيهية إلى المعضلات المبثوثة في هذا الكتاب بالعين التي نظر فيها المؤلف، ولهم أن يثوروا على المؤلف كما ثار على نفسه في كتاب (التصوف الإسلامي) إن اتسع وقتهم للبحث والاستقصاء.