لا يمكن أن تكون هذه الرسالة قد صدرت عن الأمير فخر الدين إلى الباشا التركي في ١٩١٩. لأن كتاب مينادوى الذي يتضمن أقدم نص معروف عن هذه الرسالة قد طبع في البندقية في ١٥٩٤.
ومن الأمثلة التي توضح طريقة إثبات شخصية كاتب الأصل التاريخي أن الباحث في التاريخ قد يجد خطابا باللغة الإيطالية مدونا في باريس بتاريخ ٢٩ يونيو ١٧٨٩ وموجه إلى حكومة على رأسها مجلس شيوخ، ولكن بدون تحديد تلك الحكومة وبدون تعيين الكتاب. وفحص هذا الكتاب يدل على أن كاتبه هو أحد السفراء الإيطاليين في فرنسا. فمن هو ذلك السفير؟ وإلى أي حكومة أرسل خطابه؟ الحكومة الإيطالية الوحيدة التي كانت على رأسها مجلس الشيوخ في ١٧٨٩ هي جمهورية البندقية. فالخطاب إذاً قد كتبه سفير البندقية في فرنسا إلى حكومته. فمن هو؟ البحث في سجلات أرشيف البندقية يدل على أن سفير البندقية في باريس في ذلك العهد كان أنتوينو كابللو.
وقد يحتوي الأصل التاريخي على معلومات عن حوادث رآها شاهد عيان بنفسه أو على معلومات سمع بها ونقلها عن الغير. فينبغي أن يحدد الباحث على وجه الدقة أجزاء الأصل التي دونها الكاتب بناء على ما شهده بنفسه، ويعتبر إذاً أصلا من الطبقة الأولى، وكذلك يحدد أجزاء الأصل التي اعتمد الكاتب في تسجيلها على الغير، وتعتبر أصلا من الطبقة الثانية، مع تحديد مصدر هذا النوع الأخير من المعلومات إذا أمكن ذلك. من الأمثلة التي توضح ذلك ما ذكره (كاميل ديمولان) في بعض ما كتبه عن المشاهدة التي حدثت بين مندوب الملك لويس السادس عشر وبين ميرابو أثناء اجتماع مجلس طبقات الأمة في ٢٣ يونيو سنة ١٧٨٩. والباحث يعرف من التاريخ أن ذلك الاجتماع لم يكن حضوره مباحاً للجمهور، وكاميل ديمولان لم يكن عضو في مجلس طبقات الأمة؛ وعلى ذلك فأن ديمولان لم يسمع بنفسه ما قال ميرابو لمندوب الملك. فكلامه عن هذه المشاهدة أخذه عن طريق السماع، فيعتبر أصلا من الطبقة الثانية. وإنما وصف ديمولان لما شهده خارج الاجتماع من قدوم الملك أو احتشاد الجماهير يعتبر أصلاً من الطبقة الأولى
وفي بعض الأحوال يجد الباحث كتاباً طبع في باريس في ١٨٩٠ مثلا. ومن المحتمل أن يكون مؤلفه قد نقله بنصه عن مؤلف سابق وضعه في ١٨٥٠ بدون أن يشير إلى ذلك.