فالمسؤول عن المعلومات الواردة هو الكاتب الأول السابق. وصحيح أن السطو على كتابة الغير والنقل منها بغير حساب قد نقص الآن، وبمنعه القانون أحياناً؛ ولكن كثير ما يجد الباحث أن من الأصول والوثائق ما هي إلا عبارة عن نقل حرفي لأصول ووثائق سابقة، سواء قصد الناقل السرقة وانتحال المعلومات لنفسه أو جمعها لأنها تهمه وتفيده. فعلى الباحث في التاريخ أن يتعقب الكاتب الأصلي؛ وإنه لمن أهم المسائل في هذه الناحية من النقد معرفة المصادر أو الوثائق التي اخذ عنها ذلك الأصل التاريخي. ومن الأمثلة على ذلك أن الباحث قد يعثر على مجموعة من الكتابات عن المصادمات البحرية بين العثمانيين والتسكان في القرنين السادس والسابع عشر جمعها أحد المهتمين بإبراز بطولة التسكان وهو بستيانو بالبياني، ولكن بدون تحديد المصدر التي اخذ عنها. والبحث في سجلات أرشيف فلورنسا التاريخي يوضح أن بالبياني قد أقتبس مثلا من أقوال بعض رجال الحملات البحرية التسكانية بقيادة الفارس فرنشسكو دل مونتي والأميرال أنجرامي في الشرق الأدنى وفي شمال أفريقيا في ١٦٠٧
وقد يجد الباحث أحياناً مجموعات من الأصول والوثائق تتناول بحث نقطة معينة، فينبغي إذا جمعهاً وترتيبها وتقسيمها إلى مجموعات على حسب التقارب والاختلاف في المعلومات الواردة، وقد يكون التقارب شديداً جداً أو قد يوجد اختلاف بين هذه الأصول والوثائق مثل الاقتصار والاجتزاء في مواضع، والإطالة وإعطاء تفصيلات ومسائل جديدة في مواضع أخرى. وقد توجد علاقة بين هذه الأصول التاريخية في ناحية النقل والاقتباس عن مصدر أساسي واحد. فعلى الباحث دراسة هذه الأوجه كلها لمعرفة الشخص أو الأشخاص الذين كتبوا في هذه النواحي المتشابهة والمختلفة لتقدير ووزن أقوال كل منهم، وسنعود إلى ذلك عند بحث ناحية أخرى من نواحي نقد الأصول التاريخية
وقد يكون الأصل التاريخي من عمل أكثر من مؤلف واحد. فالكثير من الأصول تدخل عليه إضافات وزيادات وتعليقات في مواضع مختلفة، ثم تطبع ويعتبر الأصل وما أضيف إليه كأنه من وضع كتاب واحد. إلا إنه من الممكن بدراسة هذا الأصل كشف الحقيقة؛ وإذا وجد الأصل المخطوط أصبح من السهل تمييز الأصل من الإضافات والزيادات. أما إذا ضاع الأصل المخطوط ولم يبقى أمام الباحث إلا المطبوع أصبحت المسالة اكثر صعوبة، إلا أنه