يمكن بالدراسة الوصول إلى نتائج معقولة. فيدرس الباحث اللغة: هل هي واحدة أم متغيرة، والأسلوب هل هو واحد أم متغير، وهل تسود الكتاب فكرة واحدة وروح واحدة، وإلا توجد خلافات ومتناقضات وفجوات في تسلسل الأفكار؟ وإذا كان الكاتب الذي أضاف في موضع أو أكثر من النص الأصلي واضح الشخصية أمكن تمييزه، وإلا يبقى مجهولاً لدى الباحث في التاريخ.
ولنعرض لمثال حققه الدكتور أسد رستم؛ فإنه قد عثر على مخطوطة صغيرة تتناول أخبار الدولة المصرية العلوية في سورية في زمن إبراهيم باشا، وكانت غفلاً من اسم المؤلف. ووجد الدكتور رستم إنها ليست تاريخاً واحداً، وإنما هي ثلاثة تواريخ فقسمها إلى (ا. ب. ج)؛ ولاحظ أن هذه الأقسام لا تعطي حوادث متسلسلة، ولا يبدأ قسم منها حيث ينتهي سابقه، وأن الحوادث تتكرر في أقسامه الثلاثة، ولاحظ أيضاً أن (ا، ج) يستعملان التاريخ الهجري، بينما (ب) يتخذ التاريخ المسيحي، ووجد أن (ج) أكبر الأقسام، وأن أخباره تتعلق بحوادث لبنان مع إعطاء تفصيلات شخصية ديرانية محلية عن دير القمر وبيت الدين. فرجح الدكتور رستم أن كاتب (ج) شخص لبناني ديراني، أو أقام بدير القمر على الأقل. فقصد الدكتور رستم إلى المكتبة البطريركية في بكركي، وفحص أوراق ١٨٣١ - ١٨٤١، وبعد الدراسة الطويلة عثر على رسائل مكتوبة بنفس الخط الموجود في (ج)، وبنفس اللغة واللهجة، وعليها إمضاء القس أنطون الحلبي. فاتجه الدكتور رستم إلى بطريك الموارنة ماري الياس حويك، وعرف منه أن القس أنطون كان من المقربين للأمير بشير الشهابي، وأنه سكن بيت الدين، وأنه كتب عن أحكام الأمير بشير، وعن حروب إبراهيم باشا في سورية، وأن أغلب ما كتبه قد أحرق أثناء حوادث الصدام بين المسيحيين والدروز في ١٨٤٥. وإذاً، فالقس أنطون الحلي هو مؤلف المخطوطة (ج)
وليس يكفي أن نعرف اسم المؤلف فقط إذا كان مجهولاً؛ والغرض من معرفة الاسم هو معرفة شخصية وصفات الكاتب لأن ذلك سيكون له قسط كبير في تقدير قيمة المعلومات التي ترد في الأصل أو المصدر التاريخي. فلا بد من أن يجمع الباحث كل المعلومات الممكنة عن شخصية كاتب الأصل التاريخي. وأحياناً يمكن للباحث أن يجمع معلومات عن شخصية المؤلف من بعض كتب التراجم؛ أو يجمع معلوماته عن الكاتب من الأصل