في أغنية حربية غناها بلحن غرامي، فاستغرق النظارة في الضحك وصفقوا له أي تصفيق. وإذا أغانٍ من هذا القبيل سمعت باعتبارها جدية، كانت مدعاة للسخرية والاحتقار، فلا غرابة إذا مجتها الأسماع وعافتها الطباع، ولو جادت من كل وجه لتغني بها الناس.
ومن طريف الاحتجاج للأغاني التي يضعفها طغيان (الشكوى والاستعطاف) تعليله ضعفها - أو قلة الأغاني القوية - ليس بما (في دمنا نحن المصريين) فحسب، بل بطبيعة أصوات معازفنا أيضاً، مبرراً بذلك ضعف أغانينا وموسيقانا معاً، إذ قال:(كيف يقوم التخت بالإكثار من هذه الأغاني القوية وقد خلق من أنة العود وحنة الناي ورنة القانون؟)
الجواب أن هذه الآلات الأتانة الحنانة الرناتة، هي مع ذلك صيتة، منتهرة، نعارة، تخرج البشارف القوية المعاني، المطربة بما فيها من الشدة والرقة على أحسن تقويم، كما يجمع الافتنان البديع بين الغزل والحماسة لا بين الغزل والذل؛ تلك البشارف التي تتخيل موسيقاها معبرة بشدة في رقة عن حب، حب النفس العزيزة الأبية، تعبيراً بعيداً عن ذلك التناقض في كلام محارب يتهدد بصوت مغازل، أو في كلام جزل المعاني يغنيه صوت تلوثه نفس مخنثة، متضعضعة، أريدت على التحمس.
أو ليس لهذه المعازف أشباه مقاربة في الآلات الغربية لا تصم أغاني الغربيين بطابع الخور والمذلة؟؟ أليس هذا التخت هو الذي يقحم في غنائنا جملاً موسيقية قوية، أو أخلاطاً مسيخة من الأنغام الأجنبية لا توائم سياقه؛ وهو الذي يشرك بعض معازف الغربيين في تأدية ما نسرق من ألحانهم؟؟ فكيف نتوهم أن ضعف أغانينا وغنائنا سببه (أنه العود وحنة الناي ورنة القانون)؟ إنما الصحيح هو العكس. ولم لا نحاول تحسين معازف التخت واختراع غيرها في سبيل الإصلاح المنشود على كل حال؟؟
تلك الكلمة في التخت وما ورد في المقال من أن توسيع دائرة الزجل (فتح للملحنين أبواباً كثيرة) هما كل ما ذكر الشاعر على التلحين والموسيقى. والواقع أن النقاد قد نهبوا إلى عيوبهما جميعاً، وشمل نقدهم الغناء - أي فن المغني ذاته - بل إن الكاتب اللبق عارض النقد برمته، مبالغاً في الإيجاز، بقوله: إنه هو ومن ناصره في مذهبه من (شعراء هذه المدرسة الحديثة) ألفوا الأغاني (فانتشر غناء جديد وموسيقى جديدة كانت غريبة على الخاطر والسمع معاً - أول الأمر - ثم مال إليها الشعب فتغنى بها في كل مكان)