بروحين أو أرواح، وعرفت أن الذي كان يراسل (الأفكار) وهو في (الأخبار) هو نفسه الذي يراسل (الأهرام) وهو في (البلاغ). ثم تعقبته فعرفت أن بينه وبين الأستاذ أنطون الجميل صلات، وأنه ينشر في (الأهرام) أشياء بدون إمضاء، رعاية لمكانه في (البلاغ).
جناية المازني. . .
لا يحتاج القارئ إلى معرفة الأسباب التي استوجبت أن يتحرر المازني من خدمة الحكومة المصرية، وكان منذ أكثر من ثلاثين سنة أستاذاً بالمدارس الثانوية. وكان الظن أن يصير من أقطاب وزارة المعارف، لو صبر على ما توجب الحياة الرسمية من تكاليف خفاف أو ثقال. . . لا يحتاج القارئ إلى معرفة تلك الأسباب، لأن المازني لا يصلح أبداً لحياة الهدوء والاطمئنان. ولو أجلسناه على كرسي الوزارة لخلع نفسه بعد لحظات، ليقول في الوزارة ما يشاء، وليغمز الرسميين كما يريد.
وقد اشتغل المازني بالتعليم في المدارس الأهلية، ولعله أنشأ لنفسه مدرسة لم تظفر بطول البقاء. ومن المؤكد عندي أن (الكاتب) هو الذي أضاع (المدرس)؛ فما كاد يرى بوارق النضال السياسي حتى اندفع إليه بقسوة وعنف، وكانت باكورة مقالاته السياسية ردا على المرحوم إسماعيل أباظة باشا. وكان هذا الرجل على جانب من القوة والعمق، وكان لا ينشر شيئاً إلا بعنوان:(بيان لا بد منه)، فرد عليه المازني في جريدة (النظام) بمقال عنوانه: (لا بد مما ليس منه بد)
ومضى المازني ينشر في الجرائد مقالات سياسية في تأييد الخطة الوفدية. وجاء (مشروع ملنر) وكان للصحفيين الوفديين في تأييده مجال - وكانت المعارضة في ذلك الوقت بيد الحزب الوطني - ثم ظهر مفاجأة مقالان في نقد ذلك المشروع لكاتبين وفديين، هما المازني والعقاد، فدعاني الأستاذ محمد الههياوي إلى التعليق على هذين المقالين. وكان رأيه أن ذلك صدع في بناء الهيئة الوفدية. ولكن شجاعة المازني والعقاد أوجبت أن أخصهما بكلمة ثناء.
وجاء الخلاف بين أمين الرافعي وسعد زغلول، فادفع المازني في الهجوم على الوفد. وكانت مقالاته غاية في القوة البيانية، وفي حرارة أخطر من الجمر المتوقد، بحيث لا يشك قارئ في أن (الكاتب) سيعادي الوفد إلى آخر الزمان، ولكن هذا (الكاتب) الذي يعادي الوفد