ولكن المواهب تلاحق أصحابها ولو فروا منها إلى شعاب الجبال، فالمازني أديب موهوب، وهو كتلة من العواطف والأحاسيس، ومواهب هذا الرجل لن تتركه بعافية، وسيظل المازني هو المازني، ولو انتقل من تسيطر مقالاته على الكتاب إلى تسطيرها على الهواء.
ولعل لله حكمة فيما صار المازني إليه، فهو الشاهد على أن الفطرة أفضل من الفن، وهل الفن إلا الصدق في النقل عن الطبع؟
المازني الجديد فنان بأسلوب جديد، وسيكون له مكان في تاريخ الأدب العربي، فسيقال حتما إنه عاون على حماية اللغة الفصيحة من عوادي الجمود.
لقد بدأ للأستاذ محمود تيمور أن يؤلف بعض الأقاصيص باللغة العامية ليغزو قلوب الطبقات الشعبية، فهل وصل إلى ما يريد؟
إن كتابة المازني - وهي غاية في إيثار الفصيح - أسهل وأوضح من كتابة تيمور العامية، ولو ترك مصير اللغة إلى من يخطبون ود العوام لصارت إلى البلبلة ثم الفناء.
والأستاذ محمود تيمور له يوم، وسنلقاه بعد قليل، فله فوق هذه المشرحة مكان.
المازني الشهيد
رأينا المازني في هذه الصفحات إنسانا يتنقل من أفق إلى آفاق. فهو مدرس أولاً، وشاعر ثانياً، وكاتب ثالثاً، ورأيناه يساير جميع المبادئ وجميع الأحزاب، فهل نعده من أهل الرياء؟
لا بد مما ليس منه بد.
لا بد من أن تقال في هذا الرجل كلمة الحق، فمن الإجرام أن نترك أدباءنا تحت حماية الأقاويل والأراجيف، وهم صوت مصر في الشرق.
المازني الذي عرفته رجل صادق إلى أبعد الحدود، صادق في البغض وصادق في الحب، صادق في الجد وصادق في المزاح.
كان صادقاً في تأييد الأحزاب التي أيدها بالقلم واللسان. كان وفدياً صادقاً وهو يؤيد الوفد المصري، وكان وطنياً صادقاً وهو يؤيد الحزب الوطني، وكذلك كان حاله مع الدستوريين