والاتحاديين، ولو بدا له أن يعاون الشيطان لبلغ غاية الصدق في تأييد الشيطان!
هذا رجل يعيش بأعصابه واحساساته، وقد يكون لبلائه باحتراف القلم تأثير في تقلباته النفسية والوجدانية. وما ظنكم برجل يكتب كل يوم فيستنفذ ما يملك من بواعث القرار والهدوء؟
وأهجم على الغرض الذي أرمي إليه فأقول: هذا رجل جنى عليه قلمه، وجنى عليه إحساسه، فلم يعرف قيمة الصبر على الانحياز إلى إحدى الجهات، في زمن لا يعيش فيه المفكرون إلا بأسندة من العصبيات السياسية أو الاجتماعية.
وزارة المعارف نسيت المازني، فبينها وبين صحبته القديمة أعوام وأجيال
والأحزاب السياسية لا تذكر المازني، فقد تقطع ما بينه وبينها من أسباب.
لا يعرف المازني غير قرائه وهم أقوام لا حول لهم ولا طول، فإلى من يتوجه هذا الرجل إذا بدا له أن يقصف قلمه في ساعة ملال؟
الموظف الذي ينتفع بمرور الأيام في احتساء القهوة والتأشير على بعض الأوراق يواجه الشيخوخة وله معاش يضمن له الراحة والاطمئنان
والمتجرون في التراب يجمعون الألوف، وحدث ما شئت عن المتجرين في البهتان!
فما مصير (إبراهيم الكاتب) وقد قضى نحو أربعين سنة في صحبة القلم والقرطاس؟ ما مصيره وقد عادى الجميع في سبيل رسالته الأدبية؟
المازني حساس إلى الحد المزعج، وهو يغم حين يرى اسمه (إبراهيم) وضعت فيه ألف بعد الراء، فهو عند نفسه (إبرهيم) لا (إبراهيم) والجنون فنون!
وهذا الإحساس المرهف هو الذي صير هذا الكاتب إلى ما وصفنا في هذه الصفحات، فهل من الإسراف أن نطالب الدولة برعاية المصاير لمن يكونون في مثل حاله من العناء بحرفة الأدب والاكتواء بنار الكتابة كل يوم أو كل أسبوع في آماد طوال لا تصلح بعدها النفس لانتهاج مذهب جديد في الحياة المعايشة؟
إن الذين صدقوا في خدمة الأدب آحاد، لا عشرات ولا مئات، فهل تعجز الدولة عن تدبير معاش لأولئك الآحاد حين يطيب لهم أن يستريحوا من متاعب البيان؟