للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حرياً كذلك أن تنزل عليه أقدار الشر فلا يسعى لتخفيفها وان يجزع منها جزع الذي يظن انه كان في مقدوره أن يدفعها ولكنه قصر في ذلك، فيظل ملوما محسوراً. . .

والحياة العملية ذات البراهين البريئة من الجدليات توحي إلينا بل تحدثنا بكلمات مقروءة مسموعة بريئة من غموض الرمز والإيماء أن الذي ينتظر أقداره بدون أن يسعى لجلبها أو دفعها لن تكون حياته إلا كحياة ذلك البدوي ساكن الصحراء الذي لا يعمل عملاً لجلب الماء، وإنما هو ينتظر سقوطه عليه من السماء، وطبيعي ألا تكون آماله بيده، وأن يعيش حياته معرضاً لأخطار الظمأ والجفاف معلق القلب مهدد العيش يتجدد قلقه كل سنة لأنه لم يمسك من أسباب الحياة إلا بحبل بعيد هيهات أن يكون في يده دائماً. . .

وأنى تكون حياة هذا البدوي من حياة بدوي آخر سعى حتى اهتدى إلى ضفاف نهر تمسك منابعه بحوالب السحاب، وتحلب الماء إليه جارياً ميسوراً ليده وأفواه دوابه وقطعانه، ثم هو بعد ذلك يشق السواقي والقنوات ليصل منها الماء إلى كل بذرة بذرها؟!

لا شك أن كليهما اخذ من مصدر واحد، ولكن أحدهما حمل نفسه على العسرى، والآخر حملها على اليسرى. . . وشتان ما بينهما!

فلينهض الراقدون على آذانهم في الشرق الإسلامي مستسلمين في صغار لعوامل الشقاء والحرمان، حاسبين أن أحوالهم ضربة لازبة حتى يأتيهم آت من غير أنفسهم ينفخ في الصور، فإذا الأرض حولهم جيوش وجحافل، ومصانع ومعامل، ومعاهد ومعابد، وحقول وجنات وعيون، وإذا هم - بقدرة قادر! - آلهة في الأرض يحكمون!

لينهضوا وليحرروا أنفسهم من قيود التاريخ النفسي الذي انحدر إليهم من الجاهليات فهم يعيشون به في الماضي وإن كانت أجسادهم فلبس أثواب القرن العشرين. . .

ولتكن قوارع هذه الحرب أجراساً وأبواقاً تجمعهم وتدفعهم إلى السير مع قافلة سريعة المراكب، متلاطمة المواكب، غليظة الأثقال، حاشدة جبال الحديد والفولاذ، والقوى العارمة المجنونة التي يقول قائلها: (أنا القدر! أنا القدر! يا بني البشر!)

هل لنا أن نزعم أن الحق وصل إلى نفوس أكثر الناس فأدركوا صدقه وجماله ثم مع ذلك رفضوه، وحينئذ يحق لنا أن نتشاءم في مستقبل الإنسان؟

أؤكد انه لم يصل في عصر ما من عصور التاريخ إلا إلى القليل من الناس. والى الآن لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>