تقم دعوة إلى الحق الواضح في الطبيعة بدون أن توضع في طريقها أغشية وعقبات ومعوقات تحجبه وتمنع الناس من إدراكه
والآن، وقد تيسرت أدوات الدعوة وأدوات الإقناع وأدوات التربية يجب بدء دعوة. . .
وإن في الناس لخيراً كثيراً جداً أعظم مما يتضح من النسبة التي نجدها فيهم الآن. . .
والدليل على ذلك نجاح أمم الشمال في أوربا خلقياً، فقد أثرت فيهم التربية حتى أوشكت بلادهم أن تخلو من السجون والجرائم والخيانة حيث الثقة بالنفس الإنسانية وطيدة هناك
إن أدوات صحة النظر في الحياة واتجاهاتها موفورة الآن لأغلب سكان الأرض؛ ولكنهم مأخوذون عن ذلك بجرائر التاريخ. وكان من الواجب بعد العلم الغزير أن يوجد الفكر الهادئ والقلب الكبير الذي نضج وطاب؛ ولكن عباب التاريخ وسيوله لا تزال تجرف الطفولة والبذور مع الجيف والقش والغثاء. . . وتلقي الجميع إلى المصب الذي تلتقي فيه الأخلاط والضلالات التي تركها أبناء الجهلة الأولون. . .
فلا مفر من فصل البذور والطفولة وعزلها عن مجرى سيل التاريخ وإنشائها بأيد غير ملوثة إنشاء يرضى به هذا الزمان وعلومه وفنونه، ويؤهل الإنسانية لتلك الخلافة الواسعة المتعاونة في جهاد الطبيعة واستنزال بركاتها وثمراتها.
ولا مفر من تصحيح الفكرة عن الحياة وتوجيهها إلى الإيمان بها كمرحلة ممتعة أتاحها القدر لمن يخرج من العدم، فيجب صرفها في العمل والفرجة والاطلاع على ما يمكن الاطلاع عليه من آفاقها
ولا مفر من تحويل عبقرية الفكر إلى عبقرية القلب والخلق والجسم. فالعلم والفن يجب صقل النفس بهما وإشراب الجسم إياهما وإخراجه على مقتضاهما بحيث لا تتخلف حياة الجسم وقواه وحركاته عن المدى الذي وصل إليه الفكر. . . وبحيث لا يتخلف ما في الشارع والحقل عما في مدارس الفنون والعلوم والتجارة والزراعة وما إليها حتى تكون حياة الجماعة صورة ومظهراً صادقاً لحياة الجامعات والأندية الثقافية، ولا يكون في الأمة مفارقات ومتناقضات بين حياة الفكر وحياة الواقع.
ولا مفر من حمل كل إنسان على أن يدرك نفسه ويستغرق في التفكير في حياته وحياة الإنسانية ويتيقظ لتلك القوة والقدرة التي تتسلط بها الإنسانية على القوى العمياء الجبارة