يجهل النحو والصرف والعروض؛ وكان يجب على الدكتور هيكل أن يذكر أن الشيخ المرصفي لم يقل هذا القول إلا في مقام الثناء على ما كان البارودي يملك من بوارق الفطرة والطبع، وإلا فمن العسير أن نصدق أن البارودي كان يجهل ما لا يجوز جهله من أصول النحو والصرف والعروض
ولكن أين الشواهد على علم البارودي بعلوم اللغة العربية؟ في الديوان رسالة مثبتة بالزنكوغراف، وهي رسالة لم يلتفت إليها الدكتور هيكل، ومنها أتخذ الشواهد على ضعف الحكم الذي نقله عن صاحب (الوسيلة الأدبية)
والى معاليه أسوق الحديث:
١ - في ص ٤٣ جاء بخط البارودي في وصف ما عانى هو ورفاقه من هياج البحر:
(ومكثنا على ذلك ثلاثاً، لا نجد فيها غياثاً)
وعند تأمل الخط نجد أن الأصل (ثلاث) و (غياث)، وأن البارودي التفت إلى الخطأ النحوي فرسم ألفين فوق هاتين الكلمتين، وهذا يشهد بضعفه في النحو، ولكنه لا يشهد عليه بجهل النحو، بدليل هذا التصحيح
٢ - وفي ص ٤٦ نجد بخط البارودي:
(هيهات، ما كل شامة خالًا، ولا كل حلقة خلخالاً) وعند تأمل الخط نرى أن الأصل (خال) و (خلخال)، ونرى البارودي وضع ألفين فوق هاتين الكلمتين
والتصحيح في هذه المرة أدق، فهو في الشاهد السالف كان التفافاً إلى حكم الظرف وحكم المفعول في الأعراب، وهو في هذا الشاهد التفات إلى حكم (ما) الحجازية؛ وكان يسعه أن يعفي هاتين الكلمتين من التصحيح ليسير مع النحوي الذي يقول:
ومُهفهَفِ الأعطافٍ قلت له: انتسب ... فأجاب: ما قتلُ المحب حرامُ
والذي يفرق بين (ما) الحجازية و (ما) التميمية لا يوصم بجهل قواعد اللغة العربية
٣ - وفي ص ٤٩ نجد بخط البارودي:
(بل حسبت أن قطرات المزن، دموع أسالتها زفرات الحزن)!؟
وننظر إلى العين من دموع فنراها كانت (عاً) ثم أصارها البارودي (عٌ)
فما معنى ذلك؟ معنا انه توهمها أولاً مفعول (حسب) ثم أدرك أنها خبر (أن) والذي يجهل