وشاء الدكتور هيكل باشا أن يحكم بأن (البارودي إذ كان يسجل للصور في شعره لم يكن يسجلها في صمتها وسكينتها على ما يولع به عشاق الطبيعة الصامتة)
فما معنى هذا الكلام؟ ومتى صمتت الطبيعة في أوصاف الشعراء؟
لعله يريد أن يقول إن البارودي كان قوي الشعور بحيوية المناظر الطبيعية، وبما فيها من فاعلية وانفعال، فقصر به التعبير عن بلوغ ما يريد
المستنيرون في عهد توفيق
هم في نظر الدكتور هيكل باشا رجال الجيش، وقصر الاستنارة على رجال الجيش في ذلك العهد غير صحيح، فقد كان في مصر جماعات علمية وأدبية تفوق في الاستنارة رجال الجيش، والصواب وضع كلمة (السياسيين) في مكان (لمستنيرين) فقد كان رجال الجيش ساسة البلاد في ذلك الحين
تاريخ الشعر العربي
ويقول الدكتور هيكل إن الشعر العربي قضى ألف سنة في انحلال إلى أن بعثه البارودي، فمن اين جاء بهذا القول؟
أنحكم على ماضينا الأدبي هذا الحكم الظالم في سبيل إنصاف البارودي؟ ليرجع الدكتور هيكل إلى (مختارات البارودي) إن شاء، فإن فعل فسيعرف أن البارودي يرى غير ما يراه، فقد وصل اختياره إلى القرن السابع، وصح له أن يحكم بأن سبط ابن التعاويذي وهو من شعراء القرن السادس كان يتابع الشريف الرضي ويمشي على اثر مهيار الديلمي. والبارودي الذي اعترف بحياة الجزالة الشعرية في القرن السابع كان من شعراء القرن الثالث عشر، وعلى هذا تكون المدة التي انحل فيها الشعر نحو خمسة قرون، فكيف يجعلها الدكتور هيكل عشرة قرون ويوصي بإسقاطها من الحساب؟
يشفع للدكتور هيكل انه أراد المبالغة في التنويه بمقام البارودي، ولكن الإحسان إلى البارودي كان يتم بدون الإساءة إلى تاريخ الشعر العربي. فليتفضل بمراعاة هذا الجانب من مقدمته في الطبعة التالية، إيثاراً للعدل، فما كان في أحكامه الأدبية من الظالمين