ولن ننسى ابن أبي سلمى، زهيراً، صاحب الحوليات القائل:
سئمت تكاليف الحياة، ومن يعش ... ثمانين حولا، لا أبالك يسأمِ
فإن عليه لهرم بن سنان يدا في إفاضة النظم وفي تذيل المعاني الحسان:
تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
والأعشى. ماذا نقول في الأعشى المتكسب، جواب الآفاق؟
أما أقام بباب الأسود، أخي النعمان، يغالي في المدح ويسأل العطاء - واللهُّي تفتح اللهَّا؟
هذا في العهد الجاهلي. ولقد كان العهد الإسلامي في مستهله أمضى حافز على النظم والإبداع. فالدعوة الإسلامية بحاجة إلى من ينادي بها، ويذيع فضائلها، والخصوم يتألبون عليها. فانتصب المنافحة عنها حسان بن ثابت الأنصاري. واعتمده النبي العربي في الكفاح. وأسمعنا كعب يتيمته:
باتت سعاد فقلبي اليوم متبولُ. . .
وطاف الخطيئة بالأبواب يستندي ويستجدي. ومن أمسك عند يده هدده بقحمات لسانه؛ فأنجده في الجاهلية أبو سفيان، وأجزل له في الإسلام العطاء عمر بن الخطاب، فابتاع منه لسانه بثلاثة آلاف درهم لئلا يطلقه في سب المسلمين لا يخشى، ولا يتحامى فحش القول والتهشيم
ونبض العهد الأموي بالحياة، فإذا الأخطل يبدو ويقبل في أثره الفرزدق وجرير. ثلاثة معاول للهدم ودك المشمخرة. وبسط معاوية يده في استمالة الأدباء فكان للأدب في عهده موسم خصب وسوق نافقة. فكل من أحس في نفسه ميلاً إلى الأدب تبع ميله وماشى هواه. فالعهد بات عهد نظم وخطابة وإنشاء، يمدح الأدباء معاوية ويزيد ابنه فتمتلئ أيديهم بالعطايا النفيسة، ويغنم الخلفاء ويكسب الأدب!
ولم يعدم هؤلاء الأدباء ساعات للهو يبيحون فيها للنفس سجيتها وينطقون بما ينتفض في قلوبهم من عاطفة مشبوبة وهوى دفين. فيحدثنا الأخطل عن حبه للكأس واستماتته بابنة العنقود وينسب جرير بفاتنته أم عمرو وقد سلبته صفاء القلب؛ وتسبيه حور العيون، فما يتمالك أن يقول: