وفي أي عصر هتف البارودي بتلك الأغاريد؟
في العصر الذي كان فيه بدء كتب الشعر بالبسملة موضع خلاف بين جمهور المؤلفين
ثم ننظر فنرى الشاعر بمطالع الأقمار على شواطئ النيل قد امتشق السيف ليواجه الحرب في كريت، أو ليخوض البلاء في فجاج الأراضي الروسية، وهو في هذه الموقعة أو تلك لا ينسى مواقع هواه في ملاعب الجيزة والروضة وحلوان
إن حائية البارودي في وصف الحرب الروسية لو تُرجمت اليوم ووُزْعت على جنود الروس والألمان لرأوها من الأعاجيب، وفيها يقول:
لعمري لقد طال النوى وتقاذفت ... مهامه دون الملتَقى ومطاوحُ
وأصبحت في أرض يحارُ بها القطا ... وتَرهبها الجِنان وهي سوارح
بعيدة أقطار الدياميم لو عدا ... سُلَيْكٌ بها شأواً قضى وهو رازح
تصيح بها الأصداء في غَسَق الدجى ... صياح الثكالى هيجتها النوائح
تردّت بسمُّور الغمام جبالها ... وماجت بتيَّار السيول البطائح
فأنجادها للكاسرات معاقلٌ ... وأغوارها للعاسلات مسارح
مهالك يَنسى المرء فيها خليله ... ويندرُ عن سوم العلا من ينافح
فلا جوْ إلا سمهريّ وقاضبٌ ... ولا أرض إلا شمْريُّ وسابح
ترانا بها كالأسد ترصد غارةً ... يطير بها فتقٌ من الصبح لامح
مدافعنا نصب العدا ومُشاتُنا ... قيامٌ تليها الصافنات الفوارح
ثلاثة أصناف تقيهنَّ ساقةٌ ... صياح العدا إن صاح بالشر صائح
فلست ترى إلا كماةً بواسلاً ... وجُرداً تخوض الموت وهي ضوابح
نغير على الأبطال والصبح باسمٌ ... ونأوي إلى الأدغال والليل جانح
بكى صاحبي لما رأى الحرب أقبلتْ ... بأبنائها واليوم أغبر كالح
ولم يك مبكاه لخوفٍ وإنما ... توهمَّ أني في الكريهة طائح
فقال: اتئد قبل الصيال ولا تكن ... لنفسك حرباً إنني لك ناصح
ألم ترى معقود الدخان كأنما ... على عاتق الجوزاء منه سرائح
وقد نشأت للحرب مزنة قسطل ... لها مستهل ? بالمنية راشح