فلا رأيَ إلا أن تكون بنجوة ... فإنك مقصود المكانة واضح
فقلت: تعلّم إنما هي خطة ... يطول بها مجدٌ وتخشَى فضائح
فما كل ما ترجو من الأمر ناجعٌ ... ولا كل ما تخشى من الخطب فادح
فهذه الحائية من عيون الشعر العربي، ولو سمعها أبو فراس لسجد لها سجود الإعجاب، فما عرفت اللغة العربية من الشعراء الفرسان افحل من البارودي وأبي فراس
وللبارودي في الحرب الروسية قصيدة أخرى هي الدالية، ولكن أي قصيدة؟ تلك أقباس لا تصدرُ إلا عن روح مَرِيد، من أرواح الفتيان الصناديد، وفيها يخاطب أحبابه في مصر فيقول:
نأت بيَ عنكم غربةٌ وتجهّمتْ ... بوجهيَ أيام خلائقُها نُكدُ
أدور بعيني لا أرى غير أمةٍ ... من الروس بالبلقان يخطئها العدُ
جواثٍ على هام الجبال لغارةٍ ... يطير بها ضوء الصباح إذا يبدو
إذا نحن سرنا صرَّح الشر باسمه ... وصاح القنا بالموت واستقتل الجند
فأنت ترى بين الفريقين كبَّةً ... يحدث فيها نفسه البطل الجعد
على الأرض منها بالدماء جداولٌ ... وفوق سراة النجم من نقعها لِبد
إذا اشتبكوا أو راجعوا الزحف خلتهم ... بحوراً توالى بينها الجزر والمدُ
تشلّهمُ شلَّ العِطاش ونت بها ... مراغمة السُّقيا وماطلها الورد
فهم بين مقتول طريح هارب ... طليح ومأسور يجاذبه القِد
نروح إلى الشورى إذا أقبل الدجى ... ونغدو عليهم بالمنايا إذا نغدو
ونقع كلج البحر خضت غماره ... ولا معقل إلا المناسل والجرد
صبرت له والموت يحمّر تارةً ... وينغل طوراً في العجاج فيسود
فما كنت إلا الليث أنهضه الطوى ... وما كنت إلا السيف فارقه الغمد
صئول وللأبطال همس من الونى ... ضروب وقلب القرن في صدره يعدو
فما مهجة إلا ورمحي ضميرها ... ولا لَبَّة إلا وسيفي لها عِقد
وما كل ساغ بالغ سُؤل نفسه ... ولا كل طلاَّب يصاحبه الرشد
إذا القلب لم ينصرك في كل موطن ... فما السيف إلا آلة حملها إدُّ