التلاميذ لم يفهموا ما صنعوه ولعلهم لا يفهمون بعد ذلك لو سئلوا فيه
وبيان ذلك أننا كنا قبل خمس وعشرين سنة نعمل في التدريس بالمدرسة الإعدادية الثانوية: الأستاذ المازني، والأستاذ الزيات، والأستاذ علي الجندي، وكاتب هذه السطور، وطائفة مختارة من الفضلاء الذين لهم اليوم مكانهم الممتاز في مناحي العلم والعمل بهذه البلاد
فقيل لنا يوماً إن التلاميذ المعاقبين يملأون جدران الحبس بالنوادر والفكاهات عن المدرسين، وذهبنا إلى حجرات الحبس فقرأنا على الجدران أفانين من تلك النوادر والفكاهات: أذكر منها مما كتبوه عن المازني وعني: أن ناظر المدرسة سألني وقد رآني على بابها: أين صاحبك؟ فقلت له: نسيته في الدرج! وأن العقاد دعا المازني إلى وليمة على مائدة فلم يأكل المازني؛ ثم دعا المازني العقاد إلى وليمة على الأرض فلم يأكل العقاد! وكثير من أمثال هذه المساجلات نكتفي بما تقدم منها على سبيل التمثيل لأنه غير المقصود في هذا المقال.
أما المقصود فهو الألقاب التي أطلقها علينا أولئك الخبثاء وكشفوا بها من جوانب الشخصية ودخائل النفس ما يعي به كبار النقاد.
فاختاروا للأستاذ المازني اسم تيمورلنك
وللأستاذ الزيات اسم الشاب الظريف.
وللأستاذ علي الجندي اسم ابن المقنع!
ولكاتب هذه السطور اسم حرحور!
أما الأستاذ المازني فبراعة التسمية في أنه كان يدرس التاريخ وأنه كسميه صغير الجسم مصاباً بإحدى قدميه، وأنه مسيطر على التلاميذ، قلما يحتاج إلى معاقبة أحد منهم لخروجه على نظام الحصة، لأنه كان مهيباً بينهم قديراً على أخذهم بمهابتهم إياه قبل خوفهم من عقابهم؛ فجمعوا كل ذلك في اسم تيمورلنك أحسن جمع مستطاع
وأما الأستاذ الزيات، فدماثته، وظرفه، ولطف حديثه، وأسلوبه الأدبي، وأناقة ملبسه، ترشحه لاسم الشاب الظريف أصدق ترشيح.
وأما الأستاذ الجندي فقد لاحظ الخبثاء في تسميته بابن المقفع أنه نحيل هزيل، وأنه يدرس لهم كليلة ودمنة وقواعد البلاغة، فوفقوا بين ذلك كله أبرع توفيق!