للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما كاتب هذه السطور فقد سموه (حرحور) باسم الكاهن الحكيم المصري الذي انتزع الملك على صعيد مصر قبل الميلاد بألف سنة؛ فلم تكفه أسرار الكهانة وحب الحكمة حتى طمح إلى الغلبة والسطوة. ولم يفت الخبثاء في هذه التسمية أن كاتب هذه السطور من أقصى الصعيد حيث قامت دولة حرحور! وهو ما كانوا يذكرونه بينهم كلما أخذتهم بالشدة التي اشتهر بها أهل الصعيد الأقصى

وفي براعة هذه التسميات شاهد على أن بداهة الجماهير لا تهبط بهم دائماً إلى ما دون طبقة الأفراد، بل ربما ارتفعت بهم أحياناً إلى طبقة من الزكانة لا يبلغها الفرد الممتاز في كل حين

فاسم حرحور قد جمع من جديد ما فرقته أيام الصبا الباكر بين طالب الولاية وطالب القيادة وطالب الشعر والثقافة. وقد دل من جديد على أن هذه الصور المختلفات لم تغب في أطواء

العمر كل الغياب؛ فإلى جانب الروضة الأدبية لا يزال للثكنة مكان وللصومعة نصيب.

ويسألني سائل: ولم تمنيت الأدب أو تمنيت المنزلة الأدبية؟ فأقول: إن (التعبير عن النفس) هو مزية الأدب والشعر والكتابة عامة، وهو في الوقت نفسه طريق إثبات النفس الذي يمثل الثكنة نحواً من التمثيل، ويمثل البحث عن الحقائق والأسرار من قريب.

ويلوح لي أن التعبير عن النفس أو (إثبات النفس) عندي شيء لا أنساه حتى حين أكتب عن نبذ الشهوات وعن العبادة وعن الصيام قاصداً أو غير قاصد.

ففي مقالي عن الصيام منذ ست عشرة سنة قلت سائلاً:

(ولكن هل الصوم من دواعي إنكار الذات المتنبهة، أو هو من دواعي إثباتها وتوكيدها؟ وهل هو من أسباب نسيان النفس الشاعرة وسحق كبريائها، أو هو من أسباب تذكرها وتقرير وجودها؟)

ثم قلت مجيباً: (أكاد أقول إن الصوم بجميع درجاته وأنواعه حيلة نفسية خفية لتقرير وجودها وتوكيد عزتها ورفض كل ما يسيء الظن بها في نظر صاحبها. وما أيسر أن نعرف ذلك! حسبنا أن نراقب الحالة التي تناقض الصوم لنهتدي إلى الحقيقة من المقابلة بين النقيضين. فانظر على سبيل المثال إلى أي رجل تعرفه ممن أرخوا العنان لشهواتهم وأجابوا نفوسهم إلى أهوائها واسترسلوا في الغواية بلا رادع ولا مقاومة، فهل ترى هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>