وقد سجل عتبه على أخيه، الأخ الذي كان يتركه وحده ويمضي للسمر مع الأصحاب والسجراء، ولو أن ذلك الأخ تأمل قليلاً لعرف أن أخاه الضرير الناس إلى الأنس بالأسمار والأحاديث!
وتأليف كتاب (الأيام) هو في ذاته تسلية لهذا المؤلف، فهو يخلق لخاطره أجواء جديدة تحتشد فيها مواكب من الصخب والضجيج، وإلا فكيف اتفق أن لا يفكر في إحياء تلك (الأيام) إلا وهو في المصايف الفرنسية، حيث يشغل عنه أهله بطرائف تلك المصايف، ولا يبقى له إلا اجترار ما اختزن من الذكريات؟
وقد شهد الدكتور طه على نفسه في مواطن كثيرة من كتاب (الأيام) باضطراب العقل؛ وأقول إن هذا الاضطراب هو مصدر قوته الذاتية، لأنه من مظاهر الحيوية، ولأنه الشاهد على أنه من كبار الأحياء
وهل كان من العبث أن تتنقل الطبيعة بين فصول مختلفات أشد الاختلاف منها الصيف والشتاء؟
هذا رجل حي، يعد ويُخلف، كما تعد الطبيعة وتخلف، ويستنيم عند الخوف كما تستنيم الطبيعة عند الخوف، ولا يتنمر إلا عند الاطمئنان إلى الأمان
وسر القوة عند هذا الرجل أنه كما وصفت، فهو من دعاة الثورة إن أتسع المجال للثورة، وهو من دعاة الهدوء يوم يحس بأن المجال لا يسمح بغير الهدوء، ولذلك شواهد يعرفها جميع الناس.
هو طه حسين، ولن يكون غير طه حسين. وكيف يكون رجلا آخر، وهو ليس برجل آخر؟ تلك إذن قضية، ولم تكن له قضية، وكيف تكون له قضية، وهو أعظم من أن تكون له قضية؟!
أسرار كتاب الأيام
نحن مع الدكتور طه في المرحلة الثانية من حياته الشخصية؛
وكلمة (الشخصية) لها مدلول؛ فهو في الجزء الثاني من الأيام لا يزال صبياً وفي أحلام الصبيان؛ والصبي لا يخرج من الحياة الشخصية إلى الحياة الاجتماعية إلا في نطاق