أقل ادعاء للعلم منهم، ولم يبلغ العلم في زمنهم ما بلغه في الواقعية - يعللون هذه الظاهرات العجيبة تعليلاً منطقياً ويفسرونها تفسيراً عقلياً متواضعاً، فكيف يلزم الصمت الكتاب الواقعيون والطبيعيون، ربائب العلم والنظريات المادية، وقد تطاول العلم في زمنهم على كل شيء يحاول تعليله وتفسيره!! كان الواقعيون يتحدثون كثيراً ويفسرون طويلاً، لا على أساس المنطق والعقل، ولكن على أساس النظريات العلمية، يتعلقون بأذيال العلم ويحملونه ما لا يقدر عليه، ليقرروا بعد ذلك - وهم يلهثون - أن هذه التعقيدات والظاهرات الإنسانية العجيبة، إنما هي حركات انعكاسية للنفس نجمت عن تغيرات واضطرابات عضوية في الجسم خاضعة لقوانين المادة.
أفلاس المعمل
ولم يمض زمن طويل حتى خففت المادية من غلوائها بعد أن عجزت النظريات العلمية عن تفسير كل شيء، وأفلس (المعمل) بعد أن أنهكه تحليل المركبات، وصارت تلك التفسيرات التي يصدرها الكتاب الواقعيون والطبيعيون لا يؤبه لها، بل غدت عقيمة عقم العقل نفسه في النفاذ إلى جوهر الأشياء واستبطان حقائقها. فاشرأبت النفوس إلى مطالعة وسائل جديدة غير الوسائل السالفة تقدم إليها ما ينقع غلتها في استطلاع المجهول الغامض في حناياها
الرمزية
وكانت يقظة للنزعة الرمزية من جديد، ولكن على غير غرار الرمزية الدينية (الصوفية) فقامت لها حركة بدأت في شمال أوربا وانحدرت إلى الجنوب، وهذه الحركة في صميمها ليست إلا مظهراً من مظاهر المزاج الأدبي العام للتحرر من (واقعية) الأدب، ووثبة من وثبات الذهن إلى ارتياد آفاق جديدة للكشف عن الغامض في النفس وحل أحاجي تلك التعقيدات النفسية التي سبق أن تحدثنا عنها.
شوبنهور وهارتمان
وجاءت تعاليم الفيلسوفيين شوبنهور وهارتمان من ألمانيا فأضافت جديداً على هذه الحركة التحريرية، فقد حاول هذان الفيلسوفان أن يقررا أن العالم لا يسيره الذكاء، بل هو خاضع في سيره إلى نوع من الإرادة تعمل وتعمل من غير أن تفسر عملها ومن غير أن تأبه