للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لمحة عابرة فإذا بها قد زايلتها حمرتها واستولت عليها بدلاً منها صفرة واهنة. وتبدت له جميلة يروعها الحزن فتفتن

أضافهما جاك في خيمته وقدم لشاي لإيثيل. أما هيرسن فقد تجرع سائلاً من زجاجة كانت معه. وقام جاك بدور المضيف على أحسن وجه، ووقف بنفسه على حقيقة مرض السيد هيرسن، فهو وإن لم يكن قد رأى الرجل قبل الآن فقد تواترت إليه الروايات الكثيرة عنه. وجاك خبير بقراءة الوجوه ودلالاتها؛ فالخطوط السود التي يقتم بها ما حول المآقي، والصوت الأجش الجاف، والنظرات المتكسرة الحزينة، إذا لم يكن كل أولئك من صنع الخمر، فقد يكون مظهر السيد هيرسون قد غبنه غبناً صارخاً

وفي اليوم التالي أمر جاك بإعداد (خيمة) ليقيم فيها ضيفاه وخدمهما؛ ولكن هيرسن طلب أن تضرب الخيمة في وسط أجمة كان في نهايتها معبد، فهي بذلك في نظر الأهلين أجمة مقدسة. فاضطر جاك أن يرفض الطلب، وعرض عليه أن يضرب خيمته في مكان آخر؛ ولكن هيرسن أصر على مكان يقع مباشرة تحت الأدواح الظليلة حتى يتفيأ ظلالها. وبذلك يكون قد شاء أحد مكانين. يقع أحدهما في خياله، ويقع الثاني في الأجمة المقدسة. وأخيراً رأى جاك فضاً للنزاع أن تضرب الخيمة بجانب لفيف من الأشجار

وغفا جاك في هذه الليلة إغفاءة بسيطة كالليلة السابقة وعمل بحق على مقاومة حبه القديم لعقيلة هيرسن، حتى خيل إليه أنه نجح في ذلك وقابلها وحدها في الصباح، وسألها عن هيرسن فأخبرته بأنه مريض، وعزت مرضه إلى وعثاء السفر، ولكن جاك لم يكن في حاجة إلى معرفة مرض زوجها بعد إذ رأى بعيني رأسه بالأمس صناديق (الويسكي) يحملها العبيد إلى خيمة هيرسن.

لم يدخر جاك وسعاً في إسعاد ضيفيه، فكان يصحبهما إلى النزهات الجميلة. على أن هيرسن لم يكن يجد لذة في مثل هذه الجولات، وكانت زجاجة الويسكي هي الشيء الوحيد الذي يبعث الضوء إلى عينيه الذابلتين، أما إيثيل فإنها لم تمل مطلقاً مشاهدة انحدار التل السريع إلى البحيرة الراقدة عند قدميه، ولم تضجر.

من محادثة الرجال، وسماع صوت الأشجار تهوى من شاهق، وأصوات العبيد تسري من فوق يرجع الفضاء دويها، ثم تأخذ في الضعف رويداً رويداً حتى تصلها رفيقة خافتة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>