ليس إلا وهماً من الأوهام، برغم ما تشهد الظواهر من تعلقهم بالدين.
الغرض الثالث هو حرب البلادة الممثلة في اجترار الماضي، فهو ينبه قومه إلى أن حرمان الأمريكان من الماضي الجميل في الآداب والفنون لم يحل بينهم وبين الظفر بالمكان الأول بين أقوياء الشعوب.
الغرض الرابع هو الحط من قدر الثرثرة الاجتماعية، فالأمريكان لا يفكرون في غير الابتكار والاختراع، ليكونوا أقدر الناس على غزو الأسواق بالمنتجات التي تسير التمدن الحديث. وهو اتجاه ظاهر النفع بلا جدال.
وما هذا أيضاً؟
أعطى المؤلف الكلمة لرجل أيرلندي فوضوي ليقول على لسانه وهو يعرض أحد الأناشيد:(هو أقوى تحدّ وجّه إلى إنجلترا بلادكم، البليدة الطبع، العقيمة الخيال، الضعيفة التصور)
ومع هذا لم يفته أن ينطق ذلك الخطيب بأنه لا يقصد إنجلترا بالذات، وإنما يقصد أوربا وأمريكا والعالم كله، فما معنى ذلك؟
معناه أن للمؤلف غاية نبيلة، هي إيقاظ العبقرية الإنسانية، وهي لا توقظ بغير العنف، ثم يقرر بلسان ذلك الخطيب (أن ما قام بالسيف لا يُمحى بغير السيف، وما أسس على العنف لا يقضى عليه بغير العنف) وينطلق فيقرر مرة ثانية بلسان ذلك الخطيب أن في العالم فوضويين لم يُلقوا خطاباً ولم يحملوا سلاحاً، وهم المحاربون بقوة الروح.
(إن في العالم أشياء بلغت من الشر مبلغاً لا تصلح معه إلا للاحراق، وإن فيه عقبات قد وصلت إلى درجة من الهول والضخامة لا يغني معها إلا النسف بالديناميت، وإن الهدم مقدمة ضرورية للخلق والبناء).
كذلك يقول المؤلف بلسان ذلك الفوضوي الأيرلندي، فهل نراه يتربص بالأمة الإنجليزية، هل نراه يدعو إلى العنف والعسف؟
لا هذا ولا ذاك، وإنما هو رجل يصور اشتجار الآراء في عصره بنزاهة وإخلاص.
ولكن ما غرض المؤلف من شتم إنجلترا بلسان أحد الأيرلنديين؟
له من ذلك غاية وطنية، هي وصف إنجلترا بسعة الصدر، وسماحة القلب، وإلا فكيف استباح أحد أبناءها أن يُنطق رجلاً ايرلندياً بأن النظام البرلماني في إنجلترا واهي الأساس؟