للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(ما أتعس حظ عضو البرلمان حين يضطر لإعطاء صوته في مسائل لا حصر لها، ولا يدري منها أولياتها، ولكنه يفعل ما يفعل إطاعة لأوامر رؤساء الأحزاب الذين تسيطر عليهم آلة حزبهم العمياء البلهاء! إن ذلك النظام يجعل من الشعب عبيداً مسخرين للنواب، ويجعل النواب مسخرين لرؤسائهم، والرؤساء مسخرين لآلة عمياء مجردة من الضمير. . .)

والمؤلف لا يثور على النظام البرلماني في كل وقت، وإنما يمنح فرصة الثورة على ذلك النظام لرجل أيرلندي، وهو يرجو أن يكسب بذلك عطف الأيرلنديين على الإنجليز، بأسلوب طريف، هو (تصعيد) ثورتهم المكبوتة على الأمة الإنجليزية.

التماسك في الأخلاق البريطانية

أشرت من قبل إلى أن هذا الكتاب يصور اشتجار الآراء بين جماعة من البريطان، وأذكر الآن أن ما فيه من صيال ونضال يصور حيوية التماسك في الأخلاق البريطانية، وللإنجليز (في بلادهم) أخلاق صحاح، وكلمة (في بلادهم) مستعارة من حافظ باشا عفيفي، والنص عليها واجب، لأن الإنجليز في نمير بلادهم معرضون للخطأ والانحراف، ويرجع ذلك إلى أن الإنجليزي بطئ الذهن وإن كان قوى الخلق، وهو لذلك. ينتظر إلى أن توجد الحجج التي يحكم بها لك أو عليك، وبهذا تضيع عليه فرص قد تعود وقد لا تعود.

وأقول إن (معرض الآراء الحديثة) ألفه إنجليزي مطمئن فهو يحاور ويجادل تحت ظلال الأشجار في الصيف أو بجانب الموقد في الشتاء.

أرجع إلى الصفحات التي تصور ما عانى المؤلف وهو يضرب الآراء بعضها ببعض في تشريح مذاهب الأحرار والمحافظين

أرجع إليه وهو يكاد يهتف بأن الكفر من الشرائع، وهو موقفٌ وصفه المترجم بأنه ينافي الذوق العربي، ولو أنصف لقال إنه ينافي الذوق الإسلامي، فما كانت العبارات التي حذفها المترجم إلا فناً من الكفر الملفوف، وهي مع ذلك ليست إلا تصويراً لما يساور قلوب المؤمنين في بعض الأحايين.

الإنجليزي يكفُر حين يشاء، ولكنه يكفُر كفُر الرجال لا كفر الأطفال؛ فهو يشرّح ما يجول بصدره من حقائق وأباطيل، ليعرف المصادر التي توحي إليه بالشك أو اليقين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>