علم النفس في اتجاهه الأخير أصبح يأخذ بما قرره العلماء والفلاسفة من أن كياننا النفسي الكامل يتألف من العقل الظاهر (الوعي)، ومن العقل الباطن (اللاوعي)، وأننا في تصرفاتنا خاضعون إلى التيارات الخفية التي تنطلق في واعيتنا الباطنة، وأن عقلنا الظاهر لا يستطيع أن يفسر اللوامع الخاطفة التي تبدر من هذه الواعية الباطنة، فتسلمنا إلى التناقض وإلى التعقيد، حتى نبدو وكأنما تعيش فينا شخصيتنا تتناقضان أحياناً.
على هدى هذا الاتجاه الأخير الذي يساير العلم في تقدمه، سنأخذ في نقدنا هذه المسرحيات من الناحية النفسية. وأغلب الظن أننا سنجد تفسيراً كافياً لتلك التعقيدات النفسية التي تتمثل واضحة ملموسة في شخصيات:(الصعلوك)، (مؤنس بك)، (فضل الله باشا)، إذا حاولنا أن نرد كل تعقيد نفسي فيها إلى حقيقته اللانهائية التي تتجاوز مناطق الذكاء وحدود البيئة والوراثة، ولم نعبأ بأعراض العقل الظاهر أكثر من أن نتخذه دلالة ظاهرة لأشياء مضمرة، وتغلغلنا منحدرين إلى أعماق النفس ومتاهاتها، حيث تتحوى الغرائز وتنطوي على نفسها مكبوتة مغلولة، وحيث تصطخب تيارات خفية لا تتراءى على سطح الروح الذي قد يعدم هدوءاً ظاهراً.
لنبدأ بمسرحية الصعلوك
الصعلوك في مسرحية تيمور هو (دردير أفندي) وحكايته تبدأ بمجرد ما يقدمه المؤلف إلينا؛ فنراه يقتحم خدر الفاتنة (وحيدة هانم) وهي واحدة من بنات التفريط وأشباه الحرائر. يقتحمه بسلاحه المألوف وهو تصعير الخد والملق والاسترضاء بالدعابة وإثارة الفضول. وإذ يلمح الرضاء في عيني الفاتنة الحُوَّل ويستوثق من غبطة مزاجها يصارحها بأنه يحمل في جيبه أوراق نقد مالي قيمتها ألف جنيه ربحها بطريق اليانصيب، وأنه معتزم أن يهبها لمن ترضى أن تقضي معه ليلة حمراء تمنحه فيها أفاويق اللذة الحسية. إنه يخرج أوراق النقد من جيبه وبعدها فلا تلبث (وحيدة) أن تهب مدومة شباكها فوق رأسه في تلميح لا يخفى عليه، ويحس بأنه نائل منها ما عز عليه مناله من قبل. هاهي خمر (الشمبانيا) تطري حنجرة سيد الساعة، وهاهي (وحيدة) ذات الحول والطول بأناقتها وجاذبيتها قد تهيأت لتقدم له ما يبتغيه. الفرصة سانحة، والليل يستر العاشق ويبعث رواقد الأحلام، ولكن. . .