بصعلكته. مثل هذا الشخص يحب العالم ويمقته في آن واحد. يحبه بعقله الظاهر، فتراه متهالكاً على ملاذه بقدر ما لديه من وسائل محدودة. وهو يكرهه بدافع شيء آت من وراء الوعي. لأن هذا العالم قد أذله وحرمه ما تتوق نفسه إلى اجتنائه دائماً، فتراه يسخر؛ وإذا هبط عليه شيء من المال بطريق الكسب الطارئ - سباق، ميسر، يا نصيب - لم يتوان عن القضاء عليه بالإنفاق السريع المتلف، وكأنه بدافع لا شعوري يثأر لنفسه من المال الذي يطول دائماً ارتقابه إلى مجيئه، وكأنه أيضاً، وبنفس الدافع اللاشعوري يلتمس التمتع بمظاهر الفخفخة والعظمة المادية التي حرمها بمجرد أن تصل إلى يديه وسائلها، وهي المال. فهو يلقي به إلى البوار من أجل متعة عابرة بها، هو يفعل كل هذا لأن عقله الباطن متشوف تشوفاً مكبوتاً إلى هذه المظاهر. ولعل هذه الظاهرة النفسية العجيبة تفسر لنا بعض ما نلحظه كثيراً في سلوك معوزين وفقراء يحبوهم الحظ السعد في لحظة بمال غير قليل فنراهم يتلفونه إسرافاً وتبذيراً بدلاً من أن يقيموا عليه ويتدربوا في صرفه. هذه هي حقيقة (دردير أفندي) بكامل كيانه النفسي، أي بعقله الظاهر وبعقله الباطن. . .
بعد هذا، ألا يرى القارئ معي أن هذه البادرة الغريبة من جانب (دردير أفندي) في إتلافه المال الذي يملكه وهو واقف أمام معشوقته إنما ترجع إلى أمرين مأتاهما العقل الباطن: الأول يقظة الثأر من الحرمان الذي يكابده في المال وما يجره من أسباب المتعة، وهي يقظة جامحة تستنفد كل مدد في العناصر التي تتاح لها حتى تقضي على نفسها وعليها. فالمتعة لا تستقيم في نظره إلا إذا استنفدت كل معينه من الوسائل المادية، فيكون قد جرى، فيما أتاه، على مألوفة في مواقف سابقة تحدث عنها في الرواية وكلها تشهد بأنه قد ألف القضاء على كسب طارئ من غير مبرر معقول!!!
والأمر الآخر انتفاض خالجه هامدة ارتفعت فجأة من أعماق الغرائز، وقد تهيأت لها الظروف، فأراد أن يثأر لنفسه من الذل الذي فرضته عليه هذه الغانية (وحيدة)، هي ودنيا الغني اللتان دأبتا على أن تتخذا منه ضحكة وبهلولاً!!
وقد يتساءل القارئ كيف ثأر (دردير أفندي) لنفسه من (وحيدة)؟ والجواب واضح لا يحتاج إلى تبين لأنه واضح في سياق المسرحية.
ونعود فنقول: أتى هذا الرجل كل هذا، وخرج على العقل والمنطق وهو لا يشعر، لأنه إنما