الملكات والطبائع الخفية، وغير هذه العلاقة أردنا حين قلنا: (إن التعبير عن النفس يجتمع فيه عندي تحقيق وجودها ومتعها واستكناه حقيقتها وحقيقة ما حولها).
فالتعبير عن النفس هو الأدب في لبابه
وما هو التعبير الذي عنيناه؟
التعبير الذي عنيناه هو كشف المكنون وتوضيح الأسرار وتمثيل في صورة تخرجها ن عالم الخفاء إلى عالم النور.
وهنا العلاقة الوثيقة بين أعمق أعماق الدين وأعمق أعماق الأدب: هنا العلاقة بين استطلاع أسرار الوجود وبين معرفة النفس ومعرف الإفصاح عن معانيها والإبانة عن أشواقها بلسان الأدب أو بلسان الفن على التعميم.
فكل تعبير ينطوي على سر موضح مكشوف
وأي سر أعمق من سر الوجود وأحوج منه إلى التعبير والتقريب والإلحاح بعد الإلحاح في الاستكناه والاستطلاع
ذلك ما أردناه حين قلنا إن الصومعة قريبة من الروضة الأدبية، وذلك هو التغيير عن النفس بمعنى إثبات حقيقتها وإثبات العلاقة بينها وبين الحقائق الكبرى.
ولكل نفس تعبيرها على حسب ما تحسه وتتوق إليه، فليس من الضروري أن ينتهي التعبير بكل إنسان إلى التعمق في أسرار الدين، ولكنه إذا انتهى ببعض الناس إلى التعمق في تلك الأسرار فليس ذلك بغريب
أما أنني تمنت الأدب ولم أتمن السعادة فسبب ذلك بسيط لا نطيل الإفاضة فيه.
سببه أن السعادة أمنية عامة وليست بالأمنية المحدودة أو الأمنية الخاصة.
فمن قال إنه يتمنى السعادة فكأنما قال إنه يتمنى ما يتمناه كل إنسان، وكأنه بذلك لم يقل شيئاً يستحق السؤال.
كلنا يتمنى السعادة، ولكن سعادة هذا غير سعادة ذاك
سعادة هذا في المعرفة، وسعادة ذاك في جمع المال، وسعادة غيرهما في السطوة والاستعلاء، وسعادة آخرين في الراحة والقناعة، وكلهم يتمنون السعادة على نحو من الأنحاء