للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المتشابهات. فبدوات الآمال المحررة، وأحلام الانطلاق الكلي لم تخلق لهذا العالم الأرضي، وإنما هي نماذج مما سيكون هناك. . . تراها أرواحنا لتتعلق بها وتعمل على بلوغها بعد الرحلة. . .

والناس يحيون هنا بالجسد أكثر مما يحيون بالروح. فهم إن عجبوا من المتحررين من الأجسام فما ذاك لأنهم يريدون اقتفاء آثارهم، وإنما يقفون أمامهم لحظة أو لحظات ثم ينفلتون إلى غمرات الحياة ذات السحر والسلطان الآسر القاهر!

فلا تأخذنكم خواطف العزلة يا شباب الشعراء ولا تتخطفكم الأشباح والأوهام من رحاب الجماعة وأحضان الطبيعة ذات المنطق العملي؛ فإن لذلك عقاباً صارماً وثمناً غالياً يدفع من الأعصاب والدماء وقوى الجسد والروح. ولا مقابل لذلك إلا قبض على ريح، ومضغ لماء، واغتراف من سراب!

ما نحن المتكلمين تجاه وجه الحياة الواضح المعروف إلا نكرات مبهمة لا يعرفها أحد. أما هي فوجهها معروف السمات صادق القسمات. فإذا طالعنا الناس بوجوه مخالفة لها كذبونا وصدقوها. . .

وما منطقنا تجاه منطق الأبد العميق الذي يجر الأحياء إليه بقيود وحبال من سحره الخفي، إلا منطق تافه ذو صوت خافت تذهب به ضجة الحياة ذات المراكب الثقيلة والمواكب المتلاطمة. . .

فليكن وجه أدبنا صورة من وجه الحياة الصادق. . . وليكن منطقنا منتزعاً من منطقها الصارم. . . ليكونا أدباً ومنطقاً يخدمان أهداف الحياة ويخففان أعبائها. . .

وليكن عرضنا للآلام والأحزان عرض المذكر بدولتها على النفوس حتى لا تطيش بها الأفراح والمباهج، لا عرض الذي جعلها محور فنه. وليكن أدب الحرمان بمقدار الحرمان الذي في الحياة، لا يزيد عليه ولا يجترُّه. . .

والحياة وَهُوبٌ معطاءٌ أكثر مما هي بخيلة ضنينة. فليكن تصويرنا لها بالفن كما هي، بل إن استطعنا أن نزيد بالفن ألوان مسراتها وأنواع عطاياها فلنفعل. . .

إن الحياة هبة عظمى ثمينة من واهبها! فلنعرف لها مقدارها. . .

ولنهتز مع أعوادها الخضر للرياح والنسمات والأنداء والأضواء اهتزاز النماء والإنتاج

<<  <  ج:
ص:  >  >>