عن الفخار حتى لا يبرد الماء برودة شديدة ويبين (الشكل رقم ٤٢) كاستي الشرب الأكثر شيوعاً. وبعض الكاسات ينقش في داخلها آيات قرآنية، ولم أر ذلك كثيراً. ويبسمل الشارب قبل الشرب ويحمد الله بعده، فيقول له من الأصدقاء الحاضرين: هنيئاً، فيرد عليه: هناك الله.
وبالرغم من إشارة قصص ألف ليلة وليلة إلى مائدة المدام فإن المصريون المسلمين في هذا العصر لا يقدمون النبيذ في المجتمعات العامة في أي وقت من الأوقات على العموم. إلا أن الكثيرين لا يمتنعون عادة عن شرب النبيذ مع الأصدقاء المقربين. وحينئذ لا يدخل الخادم غير الندامى أما غيرهم فيقول لهم: إن السيد ليس بالدار أو أنه في الحريم. وهؤلاء يحتسون النبيذ أثناء العشاء وقبله وبعده ويستحق قبل العشاء لأنه على حد قولهم يثير الشهية وقد أخبرني صديق مسلم تاب عن الخمر بعد إدمان (ولا يمكنني أن أتحدث في هذا الموضوع عن تجربة لأنني لم أشرب النبيذ أبداً فلم يدعني مسلم قط إلى ندوة شراب) أن مائدة المدام تتألف من صينية مستديرة أو طبق زجاجي توضع على الكرسي ويصف عليها إبريقان للنبيذ والعنبر أو أكر من إبريق معاً أحياناً وعدة أكواب صغيرة وصحن صغير فيه فاكهة يابسة وطازجة أو مخللات أحياناً، وأخبراً شمعتان وغالباً ياقة زهر تثبت في شمعدان أو توضع على الصينية.
ويصنع المصريون عدة أصناف من (الشربات) وأكثرها شيوعاً الماء المحلى بالسكر فقط ويكون زائد الحلاوة (والليموناتة) أو شراب الليمون نوع آخر، وهناك صنف ثالث أحب إلى النفس وهو شراب البنفسج ويكون بسحق زهر البنفسج ووضعه مع السكر في الماء وتركه على النار حتى يغلي، وهذا الشراب أخضر اللون، وشراب التوت والحميض والزبيب الذي يباع في الشوارع، والعرق سوس والخروب، ويقدم الشراب في أكواب مغطاة تسمى الواحدة على العموم (قلة)(شكل ٤٣) وبعض المألوف من هذه الأكواب يزين بزخارف مذهبة من الزهور وغيرها وهي توضع على صينية مستديرة مغطاة بقطعة من الحرير المطرز أو الجوخ المرصع بالذهب، ويعلق على ذراع الخادم فوطة مستطيلة الشكل عريضة الحاشية المرصعة بالذهب والمطرزة بالحرير الملون، ومن الجلي أنها تقدم لمسح الفم بعد الشراب، ولكنها في الواقع تتخذ للمباهاة أكثر منها للاستعمال