للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلا يرى القارئ معي أن هذا الرجل يحاول عبثاً إرجاع الماضي وبعثه بمذكيات الذكرى وبحطام نفسه ويشخص المرأة التي كانت له شريكة فيه؟؟ وأن الحاضر يأبى عليه ذلك ويسير على شرعته الأزلية من أن ما فات مات، وأن لا رجعة لما أغرقه الزمن في لجته؟؟

نعم هو هذا. وأن الذي كان يلبس الرجل ويدفعه بقوة خفية إلى التناقض إنما هو سيطرة الحاضر الذي أقام لنفسه في الواعية الباطنة سلطاناً يدفع به وثبة الماضي إذا قدر له أن يستفيق من همدته وتهيأ للانسراح بعد انكماشه، والماضي بدوره له في الواعية الباطنة منازل ينطوي فيها على نفسه ولكنه يقنع من السلطان بأن يكون معين الصراع بين المادة والحافظة، وأن يكون الشرفة التي نطل منها على المستقبل.

لا سبيل إلى إحياء الماضي، تلك هي المسألة التي أثارها تيمور في مسرحيته - الماضي لا يعود - ومرد هذا أن النظرة إلى الأشياء تتغير بتغير الميول، والميول تبدل أثوابها بمرور الزمن، الزمن الذي يبلى كل شيء ويسير دائماً إلى الأمام دون أن ينظر إلى الوراء، الزمن الذي يستبد فينا بحاضره، ويدفعنا بشواغله والتزاماته إلى أن نحيا فيه. فكان النظرة إلى الأشياء مقضي عليها بالتغير، ومتى تغيرت النظرة تغيرت معها معالم الدنيا من إنسان وجماد.

لقد نال الزمن من (مؤنس) وهو لا يدري، كما نال من نفس (حسنية) وهي لا تشعر، ولم يكن حظها في هذا أرفق من حظ مؤنس، وآية ذلك أنها حينما أجابت نداء (الماضي) عن لقائها حبيب القلب الغابر وانساقت مع دفعاته الفاترة المتقطعة، لم تستطع أن تدفع سلطان (الحاضر) بل كانت في محاولتها إحياء الماضي، كما كان (مؤنس)، متعثرة على الرغم منها.

ولو أن تيمور أجرى موضوعه على الرجل دون المرأة لأوقع بالمسرحية ثلمة تنفذ إليها منه بالمؤاخذة، ولكنه فطن إلى ما لا يفطن إليه عادة غير المرتاض بصياغة القصة المتمرس بعرض موضوعه عرضاً صادقاً كاملاً.

ورب معترض يقول: إن الدافع الحقيقي الذي حجز (مؤنس) عن معاودة حياته العاطفية مع (حسنية) هي أعماله بالريف وشواغله الملحة فيه. وهذا حق من ناحية أن هذه الأعمال وتلك المشاغل إنما هي من عناصر (الحاضر)، والحاضر، كما قررنا، يفرض سلطانه

<<  <  ج:
ص:  >  >>