ومن الواجب أن نربط بين النزعة الدينية والقيادة العسكرية والملكة الأدبية إذا أردنا أن ننفذ إلى خاصة من خواص النفس البشرية التي تؤلف بين النقائض حتى تنتظم في نسق واحد، وهي كما تبدو على وجه الأمور غير قابلة للتناسق والائتلاف
وربط هذه الشعب المتفرقات واجب هاهنا لأن العلاقة بينها صحيحة متغلغلة ملموسة؛ فلابد من سبب اتصال بينها، ولابد من النفاذ إليه، وليس النفاذ إليه بعسير
فالنزعة الدينية - نزعة الأسرار والهيمنة على العناصر الطبيعية - تلاقي البحث الأدبي من طرفين: أحدهما الاستطلاع والاستكناه وهو أصيل في طلب الأسرار الدينية وأصيل في طلب الأسرار الفكرية على الإجمال
أما الطرف الآخر فهو طرف لإثبات النفس، وهو في جانب التدين سيطرة على أسرار الكون، وفي جانب الأدب تعبير عن النفس وتوجيه للأفكار وامتلاك لناصية الحقائق، وكلا الطرفين قريب من قريب
ولا صعوبة في التوفيق بين التدين والقيادة العسكرية، وإن ظهر لأول وهلة كالنقيضين المتدابرين
إن النضال لعميق في روح الدين لم تخل منه الأديان الأولى ولا أديان الكتب المنزلة التي يدين بها معظم الأمم اليوم
فإله الخير وإله الشر، أو إله النور وإله الظلمة، ما برحا متصارعين عند الجاهليين من أقدمين ومحدثين
وكل دين من أديان الكتب المنزلة يؤمن بالصراع بين الملائكة والشياطين، وبالحرب الدائمة بين جنود الله وجنود إبليس
وكل ساعة من ساعات الضمير فهي مصارعة ومغالبة قلما تنتهي بالنصر الحاسم لجانب من الجانبين. وما هي حياة الضمائر إن لم تكن حياة العراك والمقاومة والانتصار؟ وما هب أسرار الكون إن لم تكن أسرار التجاذب والتدافع بين دواعيه ونواهيه؟
فالنضال أصيل في روح الدين
والتقاء التدين وطلب الغلبة وطلب التعبير فترة واحدة أو فترات متعددات في النفس (المتطورة) ليس بالأمر الغريب ولا باللغز العسير التعليل