اسيره، ولما أنفذت أمره فيه. قال أصحابه وما نذر سلافة وماذا أذاعت في الأعراب؟ قال أتذكرون يوم حشدت قريش لحرب صاحبها في يثرب كيف كان أشراف مكة موتورين يأكل قبلهم الغيظ، وتملأ نفسهم الحفيظة، وتضطرب أمامهم أشباح الخزي يذكرون هزيمتهم حين لقوا صاحبهم لأول مرة ففعل بهم الافاعيل، وترك من أشرافهم صرعى لم يثوبوا إلى أهلهم ولم يستمتعوا بتجارتهم تلك الرابحة التي أنقذها أبو سفيان. ويشفقون أن يتراءى لهم الموت فلا يثبتوا له ولا يقدروا على النظر إليه فيفروا منهزمين كما فروا من قبل. ويتركوا صرعى من أشرافهم كما تركوا مثلهم من قبل.
هنالك اجمعوا أمرهم على أن يتقووا بالنساء ويتقوا بهن الهزيمة والعار، فاختاروا منهن أعلاهن قدراً وارفعهن شأناً وأنبههن ذكراً وأقدرهن على دفع الرجال إلى غمرات الموت. وكانت سلافة بين هؤلاء النساء، خرجت مع زوجها وبنيها الثلاثة، وعادت مع المنتصرين أيما ثكلى قد فقدت زوجها وفقدت بنيها.
ثم سكت نسطاس كأنما يستحضر هولا يروع النفوس ويخلع القلوب. ثم عاد إلى حديثه في صوت هادئ بعيد فقال: إن كانت لوقعة مروعة حقاً تلك التي كانت عند يثرب. لقد عادت قريش تتحدث بالأعاجيب، لقد عادت تتحدث بالإخوان يسعى بعضهم إلى بعض بالموت. لقد عادت تتحدث بالأمهات يدفعن أبناءهن إلى أن يقتل الرجل منهم أخاه. لقد عادت تتحدث بأم مصعب فما كان لها أن تظهر عليه حزناً أو جزعاً لأنه كان من خصم قريش وأصحاب محمد، لقد عادت قريش منتصرة تتحدث بأمر سلافة هذه وقد فقدت زوجها وتلقت ابنيها أحدهما بعد صاحبه يبلغها وقد أصابه السهم فتضع رأسه على حجرها وتسأله يا بني من أصابك؟ فيقول ما أدري، ولكن سمعت قائلاً يقول: خذها وأنا بن الأفلح. ثم أصابني السهم، يقول ذلك ثم يجود بنفسه بين ذراعيها. هنالك نذرت سلافة لئن قدرت على قاتل ابنيها لتشربن في قحف رأسه الخمر، وهنالك أذاعت في أهل البادية وأعراب الحجاز أن من جاءها برأس ابن الأفلح هذا فله مائة من الإبل. هذا أصل الشر وهذا مصدر البلاء.
قال قائل وأي شيء لا يفعله الأعراب في سبيل جزور فضلاً عن عشرة من الابل، فضلاً عن مائة من الإبل؟ قال نسطاس: والغدر أيسر ما يفعله الأعراب ليبلغوا أيسر من هذا المال.