وكان الرومانيون يعاملون المجنون معاملة القاصر - وهي تشبه إلى حد ما معاملة اليونانيين - ألا إنه قد يدفع في بعض الأوقات مبلغاً من ماله أو قسماً من أملاكه يتناسب مع أهمية الجريمة التي ارتكبها. وفي نهاية القرن الثاني أصدر الإمبراطور (مارك أوريل) وابنه الإمبراطور (كومود) قانوناً يبرئ فيه المجنون من التبعة ويرفع عنه التهمة، وينقذه من العقوبة، وساندهما في ذلك كبار المتشرعين آنئذ، وحجتهما أن الجنون بعينه هو عقوبة في حد ذاتها؛ أفلا يكفي المجنون عقوبة أن تكون الطبيعة قد حرمته من نعمة العقل، ولذة الفكر، وسعادة الحياة، حتى يزيده المجتمع شقاء بتجريمه وعقابه!!. . . إن هذا لكثير على امرئ بائس مسكين. . .
وهكذا زي المجتمع البشري يعاقب المجنون ويحمله التبعة ليس لأنه يتجاهل حالته العقلية والنفسية، ويتعامى عن وضيعته الشاذة المضطربة بل تمشياً لما جاء في الشرائع من أن المجنون يؤخذ بالتبعة والعقوبة.
تبعة الأموات
لقد عرف المجتمع القديم هذه التبعة كما عرف غيرها من التبعات الأخرى التي تتناول الحيوان والبحار والنبات. وكان الاعتقاد السائد، في ذلك الزمن، أن التبعة تتناول الميت نفسه باعتبار أن جثة المجرم عليها أن تتحمل العقوبة، وعلى هذا الاعتبار أقروا مبدأ التنفيذ
ويذكر التاريخ لنا حوادث عديدة من هذا النوع الطريف؛ ففي الهند يقطع رأس المجرم الميت ويحمل على الحراب ويسلخ جلده؛ وفي اليونان تقطع أوصاله وتحرق؛ وقد يحتفظ بجمة من شعره كذكرى لهذه العقوبة
ولا يؤخذ بهذه العقوبة إلا في حالتين اثنتين: أولاهما في حالة الانتحار؛ وثانيتهما في حالة ارتكاب جريمة تتناول الأمة والوطن. فالمنتحر يحكم وتنفذ العقوبة في جثته، فيسام إلى الجلاد حيث يصلب ويمثل به أشنع تمثيل، ولا يحتفل بدفنه احتفالاً دينياً، ويحرم من الرقود في باطن الأرض بسلام
وعرفت الأمة المصرية هذا النوع من العقوبة أيضاً، فكان المجرم - وهو الجثة الهامدة -