يمثل أمام محكمة كهنوتية فإذا أخذته بجرمه حكمت عليه حكماً يحاكي في أصوله وفروعه الأحكام اليونانية؛ وكذا الحال في الأمة الفارسية فقد قطع الملك الفارسي رأس أخيه - وكان يناصبه العداء ويوثب الأمة عليه - ومثل فيه تمثيلاً فظيعاً بعد ن سقط في إحدى المعارك قتيلاً
وعرف المجتمع اليوناني أيضاً أنواعاً كثيرة من هذه العقوبات فمنها ما ينتهي بالتمثيل بجثة المجرم وحرقها، وما ينتهي بسحقها تحت الرحى وذرها في البحر، وما ينتهي بالحرم الديني ورمي الجثة خارج البلاد وغيرها
والواقع أن مثل هذه العقوبات تدلنا دلالة واضحة على عقلية المتسرعين الضيقة الذين لم يدركوا كل الإدراك ما في هذه العقوبات من إسفاف وسخف وتفكير عقيم
تبعة الحيوان
وكما أن التبعة والعقوبة كانتا تلازمان الإنسان في المجتمعات القديمة فهما تلازمان الحيوان أيضاً. فمن تقاليد قبيلة أن تأخذ بثأر أحد أفرادها إذا ما قتله نمر أو فهد وذلك بقتل الحيوان المفترس أو قتل آخر من فصيلته؛ ومن تقاليد القبائل الساكنة في جزيرة مدغشقر الاقتصاص والانتقام من التماسيح؛ فأفراد قبيلة التي تربطهم بالتماسيح رابطة الأخوة والصداقة - وهي التي وعدت وأقسمت، حسب اعتقادهم، ألا تأكل إخوانها من بني الإنسان - لا تتوانى عن معاقبة أحدها إذا حنث بيمينه أو رجع عن وعده
ينفر رئيس القبيلة أفراده، ويوثب جماعته لأخذ الثأر من هذا الأخ الحيوان الذي لم يرع حرمة الأخوة والصداقة، ويوحي هذا الثأر في نفوسهم حب الانتقام منه، ويشتد إضغانهم عليه، فينهضون حالاً إلى ذلك النهر وعلى وجوههم إمارات الجرأة وعلامات البأس، حتى إذا ما اقتربوا من ساحله المرمل، ونزلوا بقبالة مسايله وخلجاته، يتقدم رئيسهم بالشكوى المريرة إلى إخوانه التماسيح - تمشياً على الشريعة المقدسة - ويتبسط في سرد الجريمة على مسمع منها، ويتلوم القائل على فعلته هذه ويتوعده - وهو الذي أقسم وعاهد ألا يفتك القائل بأخيه الإنسان - طالباً منها أن تسلم القائل صباح الغد للاقتصاص منه، ملقياً في النهر شصاً كبيراً تتدلى منه قطعة كبيرة من اللحم حجمها قرابة من ربع بقرة؛ ومن ينكفئ كل منهم إلى مسكنه، وينصرف إلى نفسه يتوفر على الاستعداد للانتقام صباح الغد؛ فالنساء