للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يأخذن في جدل الشرائط الحريرية، والفتيات في غزل خيوط القنب، والرجال والأيفاع في شحذ الأسنة والحراب والرماح

فما يكون الغد حتى يتوافد زمر الرجال والنساء، وجموع الفتيان والفتيات إلى مضرب الزعيم يتشاورون معه في كيفية المحاكمة، وتساورونه في طرق الانتقام، حتى إذا جمعوا جموعهم واكتمل عددهم، أخذوا سمتهم إلى ذلك النهر الهادر بأمواجه، مكان الجريمة وموضع الاستغفار والتوبة

يتقدم الزعيم فيغمز الشص متربصاً بغريمه مواتاة الفرصة، وقد لا يطول ثواؤه حتى يظفر به ويهب بجماعته أن يساعدوه ويعاونوه، وما أن يظهر التمساح على سطح الماء حتى يأخذوه بالعنف والقسر ويبادرونه بالأهازيج والأغنيات رمز الظفر والغلبة، ويتسابقون في إحكام أربطة القنب والحبال على جميع أطرافه إحكاماً قوياً لا يستطيع معه حراكا. وبعد أن يتحلق القوم حوله يعمد رئيس القبيلة إلى التبسط في الجريمة وإلقاء التبعة على هذا التمساح، معتذراً إلى رجال القبيلة بمحاكمته والحكم عليه بالموت - باعتباره أخاً لهم - وما أن يحكم عليه حتى يندرئ القوم بغرز الأسنة والرماح في بطنه إلى أن تقر حركته وتهدأ ثورته وتخمد أنفاسه، حينئذ تتقدم النساء بنزع الأربطة واستبدالها بأربطة حريرية ثم يزمله الرجال بالأكفان الناعمة بين عويل أولئك وبكاء هؤلاء حتى يواري في رمسه، وهو رمس لو تعلم جميل، أعد له ولأمثاله منذ أمد بعيد، وذلك باحتفال ديني مهيب. . .

وهكذا نرى أن هذا الحيوان السائم الذي لا يعرف ما ينفعه وما يضره يعاقب عقاب من يرتكب إثماً من بني الإنسان، ويحتفل به احتفالاً قد يقل نظيره لأبن آدم. . .

والمزدكيون التابعون لمذهب زرادشت يأخذون الحيوان بالتبعة والعقوبة فالكلب المسعور يعاقب بصلم أذنه اليمنى إذا افترس حملاً أو جرح رجلاً، وتصلم أذنه اليسرى في حالة الإعادة، وإذا تعددت آثامه وشروره ففرضة في رجله اليمنى واليسرى ثم يبتر ذنبه؛ وبما أن مبادئ المزدكيين لا تسمح بتقطيع أوصال المجرم - إنساناً كان أو حيواناً - فالعقوبة لا تتعدى حدود ما ذكرنا

وقد تشمل التبعة والعقوبة صاحب الحيوان أيضاً، وهذا ما تأخذ به المجتمعات القديمة والحديثة، فالشرائع القديمة كانت تحمل صاحب الحيوان ما يسببه هذا من ضرر وأذى،

<<  <  ج:
ص:  >  >>