وتحمله على أداء تعويض مالي أو ترغمه على إعطاء عقار أو متاع يوازي قيمة الأضرار التي صدرت عنه، والمجتمع العربي القديم كان يعرف هذه التبعة ويأخذ صاحب العجماء بها على اعتبار أنه هو وحده مسئول عن الإهمال أو بالأحرى عن الضرر الذي تأتى عن الحيوان، فلو أن صاحب العجماء عقل الحيوان عقلاً تاماً ورعاه رعاية فيها كثير من الحذر واليقظة لما سبب إضراراً لهذا وأنزل خسائر بذاك، بل ذهبت الأمة العربية في الزمن الغابر إلى أبعد من هذا الحد، فأخرت مبدأ شهادة الحيوان أمام القضاء، فقد أورد مؤلف الأغاني قصة الشاعر (الحزين الديلي) الذي كثيراً ما كان ينصرف بمفرده إلى تعاطي الأشربة المحرمة في ظاهر مكة ولا صديق يؤاكله ويشاربه إلا حماره الذي يحمله ما يحتاج إليه من آكال لذيذة وأشربة خمرية معتقة
أحب جماعة من أهله وأصحابه أخذه بهذا الإثم وإقامة الحد الشرعي عليه وكانوا يؤبون في كل مرة بفشل مرير، ولم يكن لهم من طريقة أخرى إلا أخذ الحمار كقرينة على ارتكابه الإثم، ولما مثل الشاعر أمام القاضي وسئل عن التهمة أنكرها، فأراد القاضي أن يأخذ الحمار كقرينة على ارتكابه الإثم، وأحب أن يحده الحد الشرعي، وما أن سمع الشاعر قولته حتى بادر القاضي بقوله: إني أقبل هذا الحد - وإن لم يكن شرعياً - لكن أخوف ما أخافه أن يضحك منا أهل العراق ويتقولوا أن أهل مكة يأخذون بشهادة الحمير
والواقع أن الأخذ بمثل هذه القرينة هي بمثابة نوع من أنواع التبعة التي كانت تلازم الحيوان فيما مضى، وهي أيضاً بمثابة رجوع العربي إلى المنطق القبلي الذي كان يأخذ الحيوان بالتبعة
أما في العصر الحاضر فإن العرب لا يأخذون بهذه النظرية خلاف الأمم الأوربية التي تأخذ بها لاسيما في الأجرام الجزائية. ففي الثورة الفلسطينية عام ١٩٣٦ - ١٩٣٩ عمل الإنجليز بشهادة كلاب الأثر وفرضوا العقوبات الصارمة وطبقوا قانون الطوارئ الذي يقضي بالإعدام على كل من حمل سلاحاً، إلا أن قضاة العرب لم يوافقوا على ذلك إذا عرضت عليهم قضايا من هذا النوع كما جرى مع أحد القضاة الذي رفض الأخذ بشهادة الكلاب كما ورد في سياق حكمه
وجاءت الشريعة الإسلامية فهدمت ما أخذ به الجاهليون من هذه النظم، وأقرت مبدأ التبعة