- عيب الأقوياء أنهم لا يصفحون عن المذنب ولو عفّر جبينه بالتراب، وأنت أيها الورق الساقط جحدت جميلي، فلن أراك بعد اليوم ولو استشفعت بأزهار الربيع
قال الورق:
- وهل يكون الورق الجديد أجمل مني أو أصدق مني؟
فأجاب الدوح:
- لن يكون أجمل منك ولا أصدق منك، فتجارب أربعين سنة دلتني على أنكم جميعاً من وحلٍ واحد، ولكن الورق الجديد سيلقاني وهو على جانب من الغفلة والجهل، والغفلة والجهل يزيدان في قيمة الجمال، فإذا تعاقل وتعالم، كما تعاقلت أنت وتعالمت، فسيكون مصيره إلى أمه الأرض، وأستريح منه قبل أن يستريح مني
قال الورق:
- أيكون معنى هذا الكلام أن لك سياسة مرسومة في امتهان الأوراق؟
فأجاب الدوح:
- معنى هذا الكلام أني أحقد حقداً أبدياً على من يجحدون المعروف. لقد قضيت أربعين سنة أو تزيد في تعهد الأوراق بالرفق والعطف، فما حفظت ورقةٌ عهدي، ولا اعترفت بجميلي. . . ويعزيني أن الله ينتقم لي فما انخلعت عني إلا كتب الله عليها الذبول والفناء
قال الورق:
ومع هذا فأنت لفراقي حزين، باعترافك في بداية هذا الحوار، وهذا الحزن هو انتقامي من غطرستك وكبريائك، وأنا أتوعدك بقول أحد الشعراء:
سأنساك فانظر كيف تحيا إذا انقضى ... نصيبك من روحي وحظك من قلبي
ونظر الدوح فلم ير الورق، فأين ذهب؟ أين؟ أين؟
لقد عصفت الريح فأطارت ما كان في (لكسمبور) من أوراق، وباد ما تعاقر الحديقة من (خشخشة) كانت أروع ما سُمع من الغناء في باريس