للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تعيش بعض الأشجار التي تخلع أوراقها في الخريف لتكتسي بأوراق جديدة في الربيع؟) وما وجهت إلى نفسي هذا السؤال إلا بعد أن عانيت ألوف المكاره من الوقوف عند حالٍ واحد في الحب والبغض، والاقتراب والابتعاد. والأوراق هي العواطف فما بالنا نحرص حرص الأشحاء على استبقاء تلك الأوراق، وفيها ما يصل إلى الذبول والجفاف، ومن الخير أن نخلعه بلا رحمة ولا إشفاق؟ ما بالنا نحرض عليها حين تتصل بأحباب يصعب عليهم أن يقاسمونا شتاء الزمان؟

إن الله لا يضن على الشجر بالورق الجديد عند قدوم الربيع، فهل يضن علينا بالهوى الجديد عند استهلال الرخاء، وقد عرفنا من كرم الله ما لا تعرف الأدواح والأوراق؟ وهل يملك الدوح من الحيوية عند سقوط الورق مثل الذي نملك من الروحانية عند خمود الوجد؟ أكاد أجزم بأن الماء المكنون في الشجرة العارية من الورق لا يقاس إلى الجمر المكنون في القلب الخالي من الحب، فنحن والشجر إلى ربيع قريب، وإن استطال الشتاء.

وبعد لحظات عاد الفتى المصري إلى محاورة القلب

- الدوح مجلل بالسواد، والسواد شارة الحزن، فما بال الدوح يحزن وهو غاية في القوة؟

- الحزن من علائم القوة، وليس من علائم الضعف، فهو دليل على شعورنا بقيمة ما نفقد، ولا يقع ذلك إلا ونحن أقوياء، والجهلة هم الذين لا يفرقون بين الحزن والذهول

- وكيف؟

- أنسيت ما قرأناه لأناطول فرانس من أن الموت نتيجة لضعف الـ

- أذكر ذلك، ولكني أخشى أن يكون الحزن هو أيضاً نتيجة لضعف الحيوية

- أنت مخطئ في هذا التأويل، فالحزن هو صوت الشهوة إلى النعيم المفقود، والشهوة لا تصدر عن النفس إلا في حالة الفتوة والأريحية والطغيان

- وإذن فما بال جماعات من خلق الله تندد بالمحزونين؟

- كما تندد جماعات من خلق الله بالفرحين!

- ماذا تريد أن تقول؟

- أريد أن أقول إن الحسد هو الذي يحمل بعض الناس على التنديد بأهل الأحزان والأفراح، وما قام في الدنيا أدب ولا مجد ولا سلطان إلا بفضل ما في عاطفة الحزن أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>