- أريد أن تفرح بالحزن الصادق، فقد كان شعار الأنبياء؛ أما الحزن الكاذب فهو شعار المتصنعين. إن للحزن آداباً يجهلها أكثر الناس، ومن آداب الحزن أن يصدر عن عاطفة لا عن تصنع، وأن يأخذ وقوده من الإحساس لا من الخيال، وأن يردنا إلى الصدق فيما نكتب وفيما نقول، وأن يزيد في احترامنا لأهل الأفراح؛ فهم إخوان أعزاء، ولو نقلهم الفرح إلى آفاق الجنون. أنظر إلى هذا التمثال وذلك التمثال!
قال الفتى المصري:
ونظرت فرأيت تمثالين: أحدهما لعامل مكدود، وثانيهما لفتى تحتضنه فتاة بأسلوب يمنع من وصفه أدب أهل الشرق، فقد ضمته إليها كما يضم الحبيب المحبوب، وما أحب أن أزيد، وهل أستطيع القول بأن ذلك التمثال أفصح عن أشياء ينكرها الحياء؟ من بلايا الزمن أن الكاتب لا يملك من الحرية ما يملك المثّال!
كان هذان المنظران المتباينان يمثلان السلامة الوجودية أصدق تمثيل، فالعامل المكدود هو مثال الحزن الشريف، واحتضان الفتاة للفتى هو مثال الفرح النبيل، وليس من العيب أن نفرج أو نحزن بإفراط وإسراف ما دمنا صادقين. وهل تهجم الفتاة على الفتى إلا طاعةً لغريزة كريمة هي سر البقاء؟ وهل تجعد وجه العامل المكدود إلا في سبيل السعادة لأطفال يتمنى أبوهم أن يجهلوا معنى الفقر في أيام الشتاء: شتاء الزمان؟
ثم عاد الحوار بعد لحيظات:
- حدثتك عما قرأنا لأناطول فرانس، فهل تذكر ما سمعنا لعهد الطفولة في سنتريس؟
- لا أذكر من سنتريس غير أطياف بددتها أحلام باريس، فماذا تريد؟
- كان أهل سنتريس يقولون:(لما يخضرّ التوت، البرد يموت)