ثورة يحسها المسيحيون لا المسلمون؛ ذلك بأن الإسلام لا يعترف بالكهنوت ولا يقيم له أي ميزان، فالصلاة على الميت تصح من أي مخلوق متسم بالإسلام، وعقد الزواج ويُكتفي فيه بالإيجاب والقبول، والمسلم الصادق هو الذي يتقدم إلى ربه بلا وسيط.
ولا كذلك المسيحية: فهي تعطى رجال الدين طوائف كثيرة من الحقوق، وتمنحهم حرية التصرف في مصاير (المؤمنين) وكان ذلك لأن المسيحية تفترض أن الراعي في جميع أحواله غاية في الرفق والحنان.
والظاهر أن جبران قد اكتوت يداه بنيران رجال الدين، فهو يرجع إلى تجريحهم من صفحة إلى صفحة بلا رحمة ولا إشفاق.
وقد بلغ غاية الشوط فصرح بأن من حق المرأة أن تهجر بيت الزوج لتلقي حبيبها حين تشاء، بدون معاناة لوخز الضمير، وحجته أن (العَقد) الذي يمضيه (الحب) أصدق من العقد الذي يمضيه (المطران)
فكيف وصل الكاتب إلى هذا الحكم الفظيع؟
إن الإسلام لا يعترف لرجال الدين بأي خصوصية دينية، ولا يبيحهم التحكم في مصاير المؤمنين، ومع هذا يخشى المسلم أن تنتاشه ألسنة رجال الدين، لأن صوتهم هو المسموع في تقرير الشك واليقين، فكيف يكون إخواننا المسيحيون؟
الجواب عند جبران، وهو قد صرح بأن رجال الدين لا يخضعون لغير الأهواء، وإن كان من الحق أن نقرر أن هذا التعميم لا يخلو من الإسراف، فعند المسيحية رجال لا يجوز عليهم حكم جبران. وهل يصدُق الكاتب الثائر في كل ما يقول؟
ومع هذا فقد صدق هذا الكاتب بعض الصدق، لأن رجل الدين في المسيحية يدخل جميع البيوت بدون استئذان - ولاسيما في الشرق - وله يد في تعريف بعض العائلات إلى بعض؛ وقد يكون صلة الوصل في التمهيد للزواج، فما حالُ الفتاة التي لا تطيع هواه في التزوج من فلان أو فلان إذا كان من أصحاب الأغراض؟!
كان جبران يقنعني بأنه يحارب شخصية حقيقية للمطران (بولس غالب)؛ فاتصلت بالأستاذ أنطوان الجميّل تليفونيّاً لأسأله عن تلك الشخصية فأجاب بأنها شخصية خيالية، وأقول بأنها شخصية حقيقية، وسنعرف أخبارها بعد حين، وإن سترتها المعاريض)