ويطول بنا القول لو عددنا كل مرفق من مرافق الحياة وأبنّا ما أصابه من ركود فنجتزئ بما ذكرنا من أمثلة للدلالة على باقيها.
ثارت أوربا في التاريخ الحديث ثورات سياسية وثورات صناعية، كان من نتائجه تغيرها تغيراً كبيراً في القرن التاسع عشر فمن الناحية السياسة حلت الديمقراطية محل الأرستقراطية بما يتبع ذلك من تغير في النظم والتشريع، ومن الناحية الصناعية حلت المصانع الكبيرة والشركات، والسكك الحديدية والتلغرافات والتليفونات والكهرباء محل المظاهر الساذجة من صناعات يدوية وحمل على الخيل والبغال، واستنارة بالشمع والزيوت، وما إلى ذلك وهذا التغير السياسي والصناعي هو ما نسميه بالمدنية الحديثة. وتبع هذا التغير الداخلي في أوربا، تغير آخر خارجي، فقد اتجهت أفكار قادة الرأي فيهم إلى غزو آسيا وأفريقيا وكان الباعث لها على ذلك جملة أمور، أولها اقتصادي وهي أن تجد لها في الشرق مواد أولية لتغذية صناعتها، وثانيها وطني، وهو أن كل أمة من أمم أوروبا فشت فيها النزعة الوطنية وامتلأت نفوس أهلها حمية، ودفعها ذلك لأن تتطلب كل أمة قوة المظهر داخلاً وخارجاً، ومن أهم ذلك التوسع في الاستعمار وبسط النفوذ، والفخر بلون الخرائط - وثالثها - وهو أقل من الأولين شأناً الدافع الديني فقد دفع قوماً من أوروبا لنشر الدعوة المسيحية في البلاد الإسلامية واستعانوا بالسلطة على حمايتهم
على كل حال - حمل الأوربيون إلى أسيا وأفريقيا مدنيتهم مع فتحهم، وكان لابد لهم أن ينظموا الحال فيهما بما يتفق والنظام السائد عندهم ففي التشريع لابد أن تسود المبادئ القانونية السائدة في أوربا حتى تسهل التجارة ويأمنوا على معاملتهم للشرقيين، ولابد من انتشار المدنية الحديثة بآلاتها وأدواتها حتى تروج في الشرق البضائع الأوربية، ولابد أن يتعلم طائفة من المفتوحين على النمط الأوروبي الحديث، وأن يكونوا هم المتولين المناصب الكبيرة حتى يمكن التفاهم معهم في تسيير الشؤون، وهكذا كان من أثر انتشار هذه المدنية بين المسلمين نتائج كثيرة أهمها فيما يظهر لي أمران - الأول - اختلال التوازن بين الأمم الشرقية عامة والأمم الإسلامية خاصة، وأكبر ما تمنى به أمة اختلال توازنها، ذلك أن المدنية الحديثة بما استتبعها من تغير في مظاهر الحياة الاجتماعية ومن تعديل في قيم الأخلاق، كانت نتيجة لثورات داخلية شبت فيه، وآمال وآلام جاشت في