للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القبائل ترد عليه بأنه لو كان صادقاً لاتبعه قومه، إلا ما كان من أمر أهل يثرب. ففي عام ١١ للنبوة لقي النبي عند العقبة ستة نفر من الخزرج فعرض عليهم الإسلام فآمنوا وصدقوا، ووعدوا أن ينشروا الدين الجديد في قومهم. تلك بيعة العقبة الأولى. فلما كان العام القابل وافى الموسم من الأوس والخزرج اثنا عشر رجلاً، لقوا النبي عند العقبة أيضاً فبايعوه على بيعة النساء، وذلك قبل أن يشرع القتال (على ألا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف. فأن وفيتم فلكم الجنة، وان غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله عز وجل، أن شاء غفر، وأن شاء عذب) تلك بيعة العقبة الثاني، وبعث الرسول معهم صاحباً من أصحابه ديِّناً لبقاً فطنه ليفقه القوم في الدين، وفي الوقت نفسه ليخبر أحوال يثرب العامة ويسبر غورها وينهي إلى النبي ما يصل إليه من ذلك. ذلك هو مصعب بن عمير. وقد أدى مصعب بن عمير واجبه أحسن أداء وأتمه، ثم عاد إلى مكة فاطلع الرسول على حال يثرب ومقدار نجاح الدعوة الإسلامية بها. فلما حل موسم الحج وافى مكة جم غفير من الأوس والخزرج، مسلمهم ومشركهم. فواعد المسلمون منهم رسول الله أن يلقوه عند العقبة ليلاً، وقد لقيه منهم ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، فبايعوا الرسول بيعة العقبة الكبرى المشهورة وهي تقوم على تعهد الأوس والخزرج بالدفاع عن الرسول والحرب من دونه. يقول الطبري (فوافوه بالحج فبايعوه بالعقبة وأعطوه عهودهم، على إنّا منك وأنت منا، وعلى أنه من جاءنا من أصحابك أو جئتنا فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا) وبهذه البيعة أصبح للرسول بيثرب أنصار يؤوونه ويذودون عنه.

لكي ندرك السبب في مسارعة الأوس والخزرج إلى قبول الدعوة الإسلامية ومبايعة الرسول على الدفاع عنه، ينبغي أن نلم بحال يثرب في السنوات السابقة على الهجرة من الناحيتين الدينية والسياسية، فمن الناحية الدينية كانت اليهودية قد حرثت المدينة وأعدتالأنصار لقبول الدعوة الإسلامية، لأنهم أهل كتاب منزل ودين مشروع. وكان الأوس والخزرج يلقفون منهم معنى النبوة والرسالة والوحي ونحو ذلك من المصطلحات الدينية. ثم أن اليهود كانوا كدأبهم يتوقعون ظهور نبي منهم يجمع شملهم ويعيد إليهم سلطانهم يقهر بهم أعداءهم، وكانوا لا يعدمون أن يبوحوا بشيء من ذلك لمواطنيهم من الأوس والخزرج.

<<  <  ج:
ص:  >  >>