سفيان أو غيرهما من أصحاب المذاهب التي لم ترزق من الجد وحسن الطالع ما رزقته هذه المذاهب المعروفة، فانقرضت ولم يبق لها أنصار يدافعون عنها، ويدعون إليها
فعلوا ذلك كله، وألقوه في روع العامة كأنه عقيدة من العقائد، وشغبوا به على أصحاب العقول الراجحة، والأفكار الحرة، وأعلنوا عليهم حرباً طاحنة، جيوشها العامة والدهماء، وأسلحتها التفكير والرمي بالزندقة والخروج على إجماع الأمة، والطعن في الأئمة الذين ارتضاهم المسلمون. . . الخ، ثم عكفوا على كتب بخصوصها لا يعرفون غيرها، ولا يعتمدون على سواها، ولا يتلقون شريعة إلا منها، ذلك بأنها ألفت على هذه الشريطة في عصور التأخر الفقهي، وزعموا أن الدنيا خلت ممن يستطيع أن يخرج على هذه الكتب، أو يتكلم في العلم دون أن يعتمد عليها، بل حرموا على الناس أن ينظروا في كتاب الله أو في سنة رسوله نظر العلماء المستنبطين، وأوجبوا على العالم ألا يقضي ولا يفتي بشيء منهما حتى يعرضه على ما تنقله هذه الكتب من أقوال مذاهبهم، فإن وافقها جاز الحكم به، وإلا وجب رده وعدم قبوله!
تلك آثار بعيدة المدى، لا يزال الفقه الإسلامي يعانيها ويحمل أصرها وأغلالها، ويتعثر في أشواكها وعقابها، وهو الفقه الذي ورثناه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه من بعده، وعن الأئمة المهتدين، قوياً لا يعرف الضعف، ناشطاً لا يعرف الجمود، واسعاً لا يضيق صدراً بالنوازل والأحداث!
شروط؟ ومتى كان للاجتهاد شروط؟ هل ذكرت في كتاب الله أو في سنة رسوله؟ هل كان الصحابة الذين اجتهدوا واختلفوا وتعددت آراؤهم يعرفونها؟ وهل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان ينهاهم عن الاجتهاد أو يشترط له شروطاً خاصة؟
لقد كان الصحابة رضي الله عنهم مع تفاوتهم علماً وفهماً وإدراكاً لأسرار التشريع يجتهدون ويختلفون فيما بينهم؛ وربما انفرد الواحد منهم بالرأي لا يراه غيره، ولقد وجد من بعدهم عشرات بل مئات من المجتهدين، وكانت لهم حرية فكرية واسعة المدى، فأين في هذا كله خبر تلك الشروط وأين حسها؟ وهل زعم أحد أنهم أعدوا أنفسهم أولاً لنيل شروط معينة، وأشهدوا الناس على أنهم حصلوها ثم أخذوا بعد ذلك ينظرون؟ كلا فليس الاجتهاد منصباً تمنحه الأمة وتمنعه، إنما هو مرتبة علمية يشعر بها العالم من نفسه، وليس كل أحد يدعي