للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

رأياً حاسماً. وهنا افترقت بها الآراء وتشعبت المذاهب، فمنهم من رأى أن ينفى من البلد، ومنهم من رأى قتله. والظاهر أن الرأي الأخير هو الذي اجتمعوا عليه آخر الأمر. وإلى هذه القصة كلها يشير القرآن بقوله (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) ثم رأوا أن يقتلوه بحيث تمتنع على عشيرته المطالبة بدمه فأمروا فتياناً من بطون قريش أن يضربوه ضربة رجل واحد وبذلك يتفرق دمه في القبائل ويرضى بنو هاشم بديته.

ولكن رسول الله كان قد نذر بذلك فأسرع إلى الخروج خفية من داره إلى دار صديقه أبي بكر وكان قد أعد عدة السفر إلى المدينة، دليلاً وظهراً وخادماً وزاداً. وخرج الرسول وابو بكر إلى غار بجبل ثور بقيا به ثلاثة أيام اهتاجت فيها قريش اهتياجاً شديداً وجعلت لمن يأتي بالنبي حياً أو ميتاً جعلاً سنياً. والى حادث الغار يشير القرآن بقوله (إلا تنصروه فقد نصره الله، إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه، لا تحزن، إن الله معنا فانزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز ذو انتقام).

توصف الأرض التي بين مكة والمدينة بأنها حزنة وعرة موحشة، ليس بها ما يرفه عن المسافر في بلاد العرب من ماء أو خضرة ثم هي يشقها طريقان: إحداهما شرقية محاذية لنجد ويجاوز طولها الثلاثمائة ميل بقليل، والأخرى غربية محاذية لساحل البحر الأحمر ويقرب طولها من مائتين وخمسين ميلا. وقد آثر الدليل الذي اتخذه أبو بكر هادياً له وللرسول أثناء السفر سلوك الطريق البحرية. غير انه كان ينحرف يمنة، ويسرة تضليلاً لمن عسى أن ترسله قريش في أثرهم. فخرج بالجماعة من جبل ثور اسفل مكة فبلغ عسفان وهنا أدرك الجماعة سراقة بن مالك طامعاً في قتل الرسول وأخذ جعل قريش، ولكنه وجد نفسه أمام أربعة أشداء فكان قصاراه أن نجا بنفسه بعد أن أعطى الرسول وأصحابه موثقاً ألاّ يدل عليهم. ثم سار الدليل بهم إلى أمج فقديد، فلما قارب بدراً مال بهم يمنة إلى العرج، ثم هبط وادي العقيق الذي يؤدي إلى المدينة. ولكن النبي أمر بأن يكون المسير أولاً إلى قباء قرية بني عمر بن عوف. فبلغها ظهر يوم الاثنين ١٢ ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة وذلك بعد مسير ثمانية أيام. وأقام النبي ثلاثة أيام بقباء وثق فيها من

<<  <  ج:
ص:  >  >>