وإنما نصصت على هذا الجانب من شمائل زكي باشا رعاية للتاريخ، وأملاً في أن يقتدي به من يسرهم إكرام من يفد على مصر من أهل الشرق. فمن العيب أن يذهب السخاء العربي إلى غير معاد وكانت له مواسم في هذه البلاد!
وقد سمعت عن كرم زكي باشا في سره وعلانيته أخباراً لا يصدقها العقل، جزاه الله عما صنع خير الجزاء، وحفظ اسمه بين الكرماء، كما حفظ اسمه بين العلماء
ثم أرجع إلى الغرض من هذا الحديث فأقول: جلست أسامر زكي باشا بعد العشاء تمهيداً للصلح المنشود؛ فقد كنت في سريرة نفسي أومن بأن التطاول على مثل ذلك الرجل قد يعرضني لغضب الله. وأنا أخاف الله أشد الخوف لأنه حماني من أن أخاف أحداً سواه؛ فمن المخاطرة أن أشجع في موطن لا تكون فيه الشجاعة من رضاه. وكذلك عزمت على أن أتلطف ما استطعت لأظفر من زكي باشا بالصفح الجميل
- هذه أول مرة تأنس فيها (دار العروبة) بزيارة الدكتور مبارك
- ليست هذه أول مرة أتشرف فيها بزيارة (دار العروبة) أعزها الحب!
- ما هذا الكلام؟ وما رأيتك هنا قبل اليوم!
- سمعت أخبار دارك، أيها الشيخ الجليل، وكنت أشعر أني شريك بالقلب لكل من يفد عليها من أهل الشرق، وما غاب عني كرم تؤدي به فرض الكفاية عن بلادنا الغالية
فابتسم زكي باشا وقال:
- ما كان ضرك لو قلت هذه الكلمة وأنت تلاحيني على صفحات البلاغ ليخف عتبي عليك!
- سأقولها يا مولاي لجميع الناس، وسأملأ بها مسامع الأرض والسماء
- أسمع يا مبارك، أسمع، إن أدبك في هذه اللحظة يستأهل جائزة سنية، جائزة تذكرني بها طول حياتك، وقد تكشف لك عن أشياء من غوامض التاريخ القديم، وهو التاريخ الذي أرادت شراستك أن تجعله ظنوناً في ظنون!
- أعظم جائزة أتلقاها من أستاذي هي رضاه عني
- الجائزة العظمى لمن كان في مثل أدبك أن تهدي إليه النسخة الوحيدة من كتاب شيث بن عربانوس. أما رضاي عنك فهو مضمون مضمون