المهم أن أسجل أني مرتاب في كتاب شيث بن عربانوس، ولن أقبل نسبته إلى ذلك العهد البعيد، العهد الذي تلا الطوفان. وأين نحن من الطوفان وهو صورة حائرة لم يبق من ملامحها غير أطياف؟
فمتى ألف هذا الكتاب، إن صح ذلك الارتياب؟
إن لغته مزيج من القرشية والحميرية، فهل ألف قبل أن تصير لغة قريش لغة التخاطب والتأليف في أشتات الجزيرة العربية وفيما خضع لسلطانها الأدبي من الممالك الإسلامية؟
ألا يكون مؤلفه صنع ذلك عمداً على سبيل التضليل؟
الله وحده هو الذي يعلم ما مر بهذه الوثيقة التاريخية من تمحل واحتيال
المشكلة الأساسية
أترك الكلام عن صحة كتاب شيث، وأنتقل إلى تشريح ما فيه من معاني وأغراض فأقول:
يقع الفصل الأول في صفحات تصل إلى الخمسين، وفي هذا الفصل نقض للنظرية التي تقرر أن آدم استكان لحواء، فتركها تعصي الله كيف تشاء، فالمؤلف يقر أن آدم كان تعب من الإقامة في الجنة، وكان يتمنى لو استطاع أن يخرج منها بأي حال وعلى أي أسلوب ليتنسم روح الوجود، لا روح الخلود، فقد كان يعرف بفطرته أن الخلود إنما يأخذ صورته من الوجود
وثورة آدم على الجنة لها أصل: فقد كان يرى إنه لا يليق بالإنسان أن يأكل طعامه بلا جهاد. وكان يرى من الضمة والمهانة أن يترك المرء بلا متاعب ولا تجارب، وهو لم يخلق إلا للكفاح والنضال
وزاد في هم آدم أن حواء كانت في الجنة بلا ضرة، فلم تقهرها الغيرة على التسابق إلى مواقع هواه! بدليل إنها كانت تنساه أو تتناساه عاماً أو عامين، بلا تلهف ولا تشوف، لأنها تعلم إنه لن يكون لسواها من النساء، ولو أضمر من ضروب الخيانة ما يريد خياله الحبيس، وإلا فكيف جاز أن تقضي في الجنة أعواماً بلا تبرح ولا اختيال؟
وفي هذا المقام نقل شيث أبياتاً عزاها إلى آدم عليه السلام، وهي من النظم الركيك، فلا موجب لإثباتها في هذا التلخيص، ويكفي أن نشير إلى معناه لجودته وصدق مغزاه، وهو يقول بعبارة صريحة إن حواء لم تكن تفرق بين البلادة والعقل، ولم تكن تعرف أن التودد