وكانت غيبة حواء عن آدم توحي إليه التفكير في منافع الأعضاء
كان يتأمل فيرى أن الله خلق للإنسان عينين وأذنين ولساناً واحداً فما سر ذلك؟
يجيب آدم - فيما روى عنه شيث - بأن الله أراد أن يكثر زاد الإنسان من المرئيات والمسموعات، ولا بأس بأن يقل نصيبه من المنطوقات، لأن الرؤية والسماع من ضروب الانتهاب، أما النطق فمن صنوف الإعطاء، والانتهاب هو الشاهد الأول والأخير على قوة الحيوية، أما الإعطاء فهو تسليم وانسحاب
وقد ابتسمت حين قرأت هذا الكلام، فعنه أخذ الشاعر الذي سجل أن المرء يقبض يده عند الولادة ويبسطها عند الموت، وإن جهل التعليل على وجهه الصحيح
وتحرير هذا المعنى أن المرء عند الولادة مقبل على الحياة، فهو يقبض يده ليشير إلى أن وظيفته هي الأخذ والنهب، وهو يبسط يده عند الموت ليشير إلى أن التبذير من صور الفناء
ثم يمضي آدم في تأملاته فيقول: كيف يقنع من رزق عينين باصرتين بوجهٍ واحد: هو وجه حواء؟ وكيف يقنع من رزق أذنين واعيتين بصوتٍ واحد: هو صوت حواء؟
ومن هذا التأمل العارم كان ضجر آدم من وحدته في الفردوس
ويظهر أن آدم كان وهب فكرة الاعتراض والجواب، فقد خطر له أن حواء لها أيضاً عينان وأذنان، وأن من حقها أن تفكر في مثل ما فكر فيه، إن أقيم للعدل ميزان
ثم يجيب آدم بأن تساوى الجوارح بين الرجل والمرأة ليس دليلاً على التساوي في المواهب ولا دليلاً على التساوي في الإحساس. ويبلغ غاية الشوط فيقرر أن المرأة كانت بعينين وأذنين لأنها أخذت من ضلع الرجل فهي من صوره الوجودية، أو هي الشكل الذي يرضيه أن تكون عليه ليتم بينهما الانسجام في حدود الإمكان
وأقول إن هذا الكلام هداني إلى كثير من المعاني:
فالحول يكثر في النساء ويقل في الرجال، ومعنى ذلك أن للذكر مثل حظ الأنثيين، حتى في القوة البصرية
وإذا وجد العور في إحدى السلالات فالطفلة ترثه قبل الطفل
وإذا كان أحد الأبوين غبياً دميماً وثانيهما ذكياً جميلاً فالغالب أن يرث المولود الذكر ما عند