للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومن كلام شيث نفهم أن تفكير آدم في مسألة النسل لم يصر من المعضلات النفسية، وإنما كان يعتاده من حين إلى حين، ثم ينصرف عنه بالاشتغال بمداعبة حواء، كأن يرميها بنواة من نوى الجوز، أو يقذف بها في (الكوثر) على حين غفلة، أو يدوس شعرها الذيال

والحق أن عقم آدم وحواء في الجنة يحتاج إلى تأويل

أليس من العجب أن يكون ما في الجنة خصباً في خصب ونماء في نماء، إلا فيما يتصل بآدم وحواء؟

كان الشجر والزهر والنبات والطير والحيوان، كان كل أولئك في حيوية مخصبة لا يعتريها ضعف ولا خمود؟ وكان ثرى الجنة ينبت الأفانين من الألوان في كل يوم: وكان هواؤها يتجدد في كل لحظة بأسلوب يدل على أن الهواء مخلوق له روح، وكانت أسماك الكوثر تجتمع وتفترق بأريحية ودلال. . . كان كل ما في الجنة على جانب من الذاتية، ولو كان من صغار الدواب والحشرات، أو ضعاف الذباب والبعوض، ولجميع الخلائق في الجنة مكان.

ازدهرت الجنة في أغلب مناحيها وأثمرت، وخص بالعقم آدم وحواء، فما هي الأسباب؟

لم يفكر شيث في عربانوس في تعليل هذه الظاهرة الغريبة. ونحاول تعليلها فنقول:

كان سبب ذلك العقم فيما نفترض أن حياة آدم وحواء في الجنة كانت حياة دعة وهدوء واطمئنان وأمان، وهذا اللون من الحياة يخمد الحيوية الجنسية والمعنوية، ويحول الرجل والمرأة إلى حيوانين جامدين لا يفكران في التسلح لدفع عوادي الوجود

والذي يقرأ ما أثر من الآداب الفطرية يلاحظ أن النسل لم يكن يبتغى للزينة، وإنما يبتغى للدفاع والحفاظ؛ ومن هنا كانت قلة النسل من خصائص الأمم التي يقل خوفها من العدوان أو تقل رغبتها في السيطرة والاستعلاء؛ ومن هنا أيضاً كان الناس يفضلون البنين على البنات، لأنهم لا يبتغون من الذرية غير القدرة على مكافحة الباغين والعادين من الخصوم والنظراء.

ولم يكن لآدم في الجنة نصيب من الخوف، فقد كان ينام حيث يريد بكل اطمئنان، وكان يتفق له أن يجعل صدر الأسد الرابض وسادة الرفيق، وقد طاب له مرة أن يطوق (حواء) بعقد مؤلف من أفراخ الثعابين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>